احوال شخصية
تاريخ النشر : 2018-05-14 08:38:40
عدد المشاهدات : 19727
تاريخ النشر : 2018-05-14 08:38:40
عدد المشاهدات : 19727
المحاضرة الاولى:
مبــادئ عامــــة
أولاً: المادة (1).
نصت المادة (1) من القانون ( قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ) على ما يأتي:
1- تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تناولتها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها ".
2- إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون.
3- تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء والفقه الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية الأخرى التي تقارب قوانينها من القوانين العراقية.
أن هذه المادة في فقرتها الأولى جاءت على مَنْ يُطبِق القانون وهو " القاضي " وهو ينظر في النزاع بين الخصوم أن يتلمس في لفظ النص وفحواه، ولا يلجأ إلى مصدر غير النص " التشريع " إلا بعد إن يجد هذا النص لا ينطبق على النزاع المعروض أمامه. في لفظه اي بعبارة النص او بدلالته او بإشارته وان على القاضي ان لايقف عند حدود العبارة. فإذا كانت القضية المعرضة منضوية تحت نص من نصوص هذا القانون بلفظه وجب على القاضي ان يطبق النص ولا ينتقل الى مصادر القانون الأخرى.
في حين ان الفقرة (2) من المادة أحالت إلى مبادئ الشريعة الإسلامية عند خلو القانون من نص ينطبق على الواقعة المعروضة أمامه. ولا بد من بيان إن اللجوء إلى مبادئ الشريعة هو مقيد بالمبادئ الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون. وهذه الملائمة قضية اجتهادية على القاضي ان يبذل من اجلها جهدا قائما على العلم والفهم والفقه ,ومن ناحية ثانية ان يكون للقاضي بعض الإلمام بإحكام الشريعة الإسلامية ,وكيفية الرجوع إليها ,واخذ الحكم منها وتطبيقه على القضية المعروضة عند عدم وجود النص القانوني الذي يحكم المسألة , يحكمه في كل ذلك المذهب والحكم الأقرب لنصوص قانون الأحوال الشخصية.
ولابد من القول أن المعيار لبيان فيما إذا كان هذا الرأي المستمد من مبادئ الشريعة الإسلامية ملائماً مع نصوص القانون من عدمه. إن هذا المعيار إنما هو معيار موضوعي يخضع لتقدير القاضي آخذاً بنظر الاعتبار ظروف القضية وفلسفة التشريع والمذهب الذي ينتمي إليها أطراف الدعوى.
أما الفقرة الثالثة فقد رسمت للقاضي الطريق القويم للرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية حيث أن الرجوع يكون باسترشاده بمبادئ وأحكام أقرها الفقه والقضاء الشرعي سواء كان ذلك في العراق أم في البلاد الإسلامية الأخرى على أن تكون المبادئ والأحكام في البلاد الإسلامية القريبة قوانينها من القوانين العراقية. وهذا يعد قيدا على القاضي بعدم الاسترشاد بالأحكام التي اقرها القضاء في الدول الإسلامية التي تختلف قوانينها ايدولوجيا مع القانون العراقي.
ثانياً: المادة (2).
تناولت المادة الثانية سريان أحكام قانون الأحوال الشخصية من حيث الأشخاص ومن حيث تنازع القوانين. وبفقرتين:
نصت الفقرة (1) من هذه المادة على أنه " تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلا من أستثنى منهم بقانون خاص ".
وعلى هذا فإن جميع من يحمل الجنسية العراقية يخضع لأحكام هذا القانون وبغض النظر فيما إذا كان مقيماً في العراق أو موجوداً خارجه. بغض النظر عن ديانته او مذهبه او طائفته , إلا من استثني بقانون خاص. مثل طائفة المسيحين والموسويين فيطبق عليهم قانون تنظيم المحاكم الدينية للطوائف المسيحية والموسوية رقم (23) لسنة 1974. وطائفة الارمن الارثوذكس فان لهم قانون خاص هو القانون رقم (70)لسنة 1931. والطائفة الاسرائيلية فان لهم قانون خاص هو القانون رقم 77 لسنة 1931.
أما غير العراقيين " عرباً وأجانب " فأن هناك قوانين خاصة تسري عليهم في مسائل الأحوال الشخصية. يطبق عليهم قانون الاحوال الشخصية للاجانب رقم 78 لسنة 1931.[1] لا حاجة لتفصيلها في هذا الموجز من الدراسة.
أما الفقرة (2) من هذه المادة فجاءت لتبين القواعد التي تحكم تنازع القوانين فأحالت إلى أحكام الشريعة العامة " القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951. ونصها " تطبيق أحكام المواد 19 و 20 و 21 و 22 و 23 و 24 من القانون المدني في حالة تنازع القوانين من حيث المكان ".
وعلى هذا من أجل الوقوف على بيان ماهية ذلك لابد من الرجوع إلى قواعد القانون المدني العراقي من حيث التنازع. لأنها أصبحت واجبة الإتباع بموجب الفقرة (2) من المادة (2) من قانون الأحوال الشخصية. وقد تعلق الأمر بأحكام الزواج والطلاق لابد من بيان ماهية نص للمواد ( 19 و 20 و 21 ) من القانون المدني ([2]).
المادة (19) من القانون المدني العراقي.
1- يرجع في الشروط الموضوعية لصحة الزواج إلى قانون كل من الزوجين إما من حيث الشكل فيعتبر صحيحاً الزواج ما بين أجنبيين أو ما بين أجنبي وعراقي إذا عقد وفقاً للشكل المقرر في قانون البلد الذي تم فيه أو إذا روعيت فيه الأشكال التي قررها قانون كل من الزوجين.
2- يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار التي يرتبها عقد الزواج بما في ذلك من أثر بالنسبة للمال.
3- ويسري في الطلاق والتفريق والانفصال قانون الزوج وقت الطلاق أو وقت رفع الدعوى.
4- المسائل الخاصة بالبنوة الشرعية والولاية وسائر الواجبات ما بين الآباء والأولاد يسري عليها قانون الأب.
5- في الأحوال المنصوص عليها في هذه المادة إذا كان أحد الزوجين عراقياً وقت انعقاد الزواج يسري القانون العراقي وحده ".
إن الزواج كعقد لابد من انعقاده وترتب الآثار الشرعية والقانونية عليه توافر شروط معنية مع الأخذ بنظر الاعتبار خصوصية هذا العقد عن سائر العقود الأخرى كالبيع والإجارة والهبة... الخ، وهذه الشروط منها موضوعية وأخرى شكلية.
أما الشروط الموضوعية فنلاحظ أنها كقاعدة عامة وفقاً لأحكام وقواعد تنازع القوانين من حيث المكان في القانون المدني العراقي تخضع لقانون كل من الزوجين مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الفقرة ( 5 ) من هذه المادة تشير إلى سريان القانون العراقي وحده إذا كان أي من الزوجين عراقيا وقت إنعقاد الزواج أي يكفي لسريان أحكام القانون العراقي أن يكون أحدهما عراقياً وقت انعقاد الزواج وهذا يكشف لنا مدى مراعاة القانون لخضوع عقد الزواج إلى القانون الوطني لاختلاف الأحكام والقواعد والشروط في إبرام عقد الزواج في البلاد الإسلامية عنه في غير الإسلامية.
وبهذا فإذا تزوج عراقي مسلم من كتابية ([3]) صح العقد أما إذا تزوج غير مسلم من عراقية مسلمة لم يصح العقد لعدم مراعاة شرط موضوعي أساسي لصحة عقد الزواج.
أما الشروط الشكلية، فهي لا تعدو أن تكون شروط تنظيمية القصد منها مراعاة الإثبات وغيرها من المسائل التي تتطلبها الدوائر ذات العلاقة، ومنها العقد في محكمة معينة، فهنا تنازع القوانين من حيث المكان. أحكامه لا تثير أشكالاً في هذا الجانب كون هذه الشروط تخضع كقاعدة عامة لقانون البلد الذي تم فيه إبرام عقد الزواج لأنه يقوم مقام قانوني الزوجين. او إذا روعي فيه الشكل الذي يقرره قانون كل من الزوجين
أما الفقرة (2) من المادة 19 قد تطرقت إلى آثار عقد الزواج ما بين طرفيه " الزوج والزوجة " وأشارت إلى تطبيق قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج.
في حين في قضايا الطلاق والتفريق والانفصال يطبق قانون الزوج وقت إيقاع الطلاق فإن اختلفت الجنسية أي مثلاً كان الزوج عراقياً وقت العقد في حين اكتسب الجنسية المصرية وقت رفع الدعوى فالقانون المصري يكون واجب التطبيق في هذه الحالة. وهذا ما يستفاد من نص الفقرة (3) من المادة نفسها.
أما مسائل إثبات النسب والنفقة ما بين الآباء والأبناء والولاية فيسري عليها قانون الأب " انظر الفقرة 2 من المادة 19 من ق. م. ع.
المادة (20) نصت على أن المسائل الخاصة بالوصاية والقوامة وغيرها من النظم الموضوعة لحماية عديمي الأهلية وناقصيها والغائبين يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها ".
في حين أشارت المادة (21) على أن " الالتزام بالنفقة يسري عليها قانون المدين " وكقاعدة عامة فأن النفقة إذا كانت للأولاد فتخضع لقانون الأب وإذا كانت للزوجة فأنها تخضع لقانون الزوج. واذا كانت للحواشي تخضع لقانون المدين بها وفقا للمادة 21 من القانون المدني.
المحاضرة الثانية:
الزواج
تمهيد:
المراحل التي تسبق إبرام عقد الزواج.
أ- الاختيار
ب. الخطبة
ج.مقدار ما ينظر كل من الخاطبين إلى الآخر.
أ- : الاختيار:-
المرأة شريكة الرجل في حياته وعليها مثل ما عليه من المسؤولية الكبرى تجاه العش الزوجي وإعداد جيل صالح تسعد الأمة به، فالمرأة قلادة الرجل فأنظر ما تتقلد كما يقول الأثر المروي عن الرسول (ص) عليه فلابد للرجل أن ينتبه أين يضع نفسه ".
فالزوجة هي الوعاء الذي يستقبل الوليد في مراحله الأولى وهي في الوقت ذاته الحضن الدافئ فلينظر الزوج إذاً أين يوضع هذا الكيان ؟ وأين يضع نفسه ؟ والتي تكون المرأة أماً لهذا الوليد.
إن كثيراً من مآسي الحياة الزوجية تعود إلى سوء الاختيار للمرأة أو الرجل فقد يفضل الإنسان امرأة ذات جمال ومال لا خلق لها ولا دين فإذا هو يشقى بهذا الزواج. وقد تفضل المرأة شاباً وسيماً غنياً ذا مركز محترم ولا تنظر إلى ضعف دينه وخلقه فإذا العاقبة هي أيضاً الشقاء بالزواج منه.
وقد هدانا الرسول الأعظم (ص) إلى الطريق القويم في اختيار الزوجة، وعلى النحو الآتي:-
1- جمال الزوجة:
لقد تكرر في لسان الأحاديث الشريفة ( المرأة ريحانة ) وما تشكل هذه العبارة التي تحبب الزوجة في نظر الرجل وان اختيارها يجب أن يكون جامعاً إلى الجانب الروحي الجانب الجمالي لان الجمال مطلوب في المرأة حيث يكون له الأثر التام في تعلق الزوج بزوجته وزيادة رغبته بها، وجملة ما تستدل على ذلك:
1- قول الرسول (ص) " أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً ".
2- قول الرسول (ص) " زوجة مؤمنة تسره إذا نظر إليها ".
3- قول الرسول (ص) " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ".
4. قول الرسول (ص) " تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك " ([4])
لكن صفة الجمال لا تصمد أمام من لا دين ولا خلق لها فقد روي عن الرسول (ص) قوله " من تزوج امرأة لمالها وكله الله إليه، ومن تزوجها لجمالها رأى فيها ما يكره "، وجاء عنه " من تزوج امرأة لجمالها جعل الله جمالها وبالاً عليه ".
إن الجمال عين مرة من الكماليات التي لابد للمرأة من التحلي بها ذلك لان للجمال الأثر التام في تعلق الزوج بزوجته ولهذا نجد الطائفة الأولى تؤكد على اختيار الزوجة الجميلة الحسناء أما النوع الثاني فقد حذرت تلك الأحاديث من النظر إلى جمال المرأة دون الأخذ بنظر الاعتبار بقية الصفات الأخرى. ومن ثم يجب النظر إلى صفات الزوجة الأخرى فضلا عن الجمال.
2- زوجة ولود:
وردت اكثر من رواية عن الرسول (ص) ترغب في الزواج من امرأة ولود ويؤثر محبتها على من كانت عقيمة لا تلد فقد جاء عن عبد الله قوله " كنا عند النبي (ص) فقال: " خير نسائكم الولود " أما شر النساء في نظره " العقيم الجحود ".
وقوله (ص) " تزوجوا بكراً ولوداً ولا تزوجوا حسناء عاقراً "، وقوله (ص) " اعلموا أن السوداء إذا كانت ولوداً أحب إلي من الحسناء العقار ".
3- خلق الزوجة:
كما كانت الجوانب الجمالية مطلوبة في المرأة كذلك نرى المشرع الإسلامي يؤكد على الجانب الأخلاقي منها ليحصل الانسجام بين الزوجين فقد جاء رجل إلى رسول الله (ص) " أن لي زوجة إذا دخلت تلقنني وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: مايهمك ؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل الله به وان كنت تهتم لأمر آخرتك فزادك الله هماً، فقال رسول الله (ص) " وان لله عمالاً وهذه من عماله لها نصف أجر الشهيد " وهذا الخلق الرفيع وهذه المعاملة الرقيقة من المرأة هو الذي جعلها تحصل على هذا التقدير من الله فكان لها نصف اجر الشهيد وهي جالسة في بيتها لم تشترك في معركة ولم تضرب بسلاح ".
4- تدين الزوجة:
الدين هو العامل الوحيد الذي ينظم حياة الإنسان إزاء مجتمعه ويجعله وجهاً لوجه أمام الأمر الواقع، فمهما كانت الرقابة الخارجية على الفرد سواء كانت تلك الرقابة من دولة أو لشخص تخشى سطوته بإمكان الفرد أن يرتكب الجريمة لو آمن جانب من يلاحقه.
أما المتدين فإن له من نفسه رقيب داخلي يسيطر عليه وينشر سلطانه الروحي، وعلى هذا فاقتران الرجل بامرأة غير متدينة معناه انه سيواجه مشاكل تهدم عليه حياته فضلاً من أنها تفقده راحته واستقراره نتيجة اقترانه بمن لا تتقيد بمبدأ ولا تتحلى بشرف وليس إلى الفضيلة سبيل، فزوجة لا دين لها لا يأمن الزوج معها على نفسه وذريته ومثل هذه لا يتم معها عيش.
وهذا ما نقل عن الرسول (ص) ".... فأظفر بذات الدين تربت يداك " وقوله " إن من القسم الصالح للمرء المسلم أن تكون له امرأة إذا نظر إليها سرته، وان غاب عنها حفظته، وان أمرها أطاعته ".
وعنه (ص) " إذا أردت أن اجمع للمسلم خير الدنيا وخير الآخرة جعلت له قلباً خاشعاً ولساناً شاكراً وجسداً على البلاء صابراً، وزوجه مؤمنة تسره إذا نظر إليها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسه، وماله " وبعكس هذه الأوصاف يقول الرسول (ص) " ألا أخبركم بشرار نسائكم... الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التي لا تتورع من قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره... ".
وورد في دعاء الرسول (ص) " أعوذ بك من امرأة تشيبني قبل مشيبي ".
أما الرجل: فهو عنصر مهم في الحياة تترتب عليه أغلب الآثار التربوية والمعنوية، فإذا لم يقع الاختيار على الزوج الصالح الذي يتمتع بقابليات عالية فحتماً ستكون الحياة الزوجية معرضة للاضطراب، وحدود الرجل اللائق من خلال:-
1- الزوج والتدين:
في حديث لجابر بن عبد الله عن النبي (ص) أنه قال " ألا أخبركم بخيار رجالكم ؟ قلنا بلى يا رسول الله قال " إن خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين السليم الطرفين البر بوالديه ولا يلجئ عياله إلى غيره ".
وفي حديث آخر " إذا جاءكم من ترضون خلقه، ودينه، فزوجوه الاتفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير ". فالدين عنصر مقوم لاستقرار الحياة الزوجية لذا فان الدين أهم صفة في الزوج إن الدافع لاحترام المرأة هو دافعاً دينياً، وخاصة أن الطلاق بيد من اخذ بالساق ".
ونهى الرسول (ص) عن تزويج شارب الخمر فروي عن الإمام الصادق (ع) ان رسول الله (ص) قال " شارب الخمر لا يزوج إذا خطب "، وفي حديث آخر رواه الإمام الصادق (ع) " شارب الخمر إن مرض فلا تعوده وإن خطب فلا تزوجوه ". هذا النهي ليس نهياً تحريماً تكليفاً دائماً هو توجيه إرشادي إلى المضار التي تؤدي إلى الاقتران بشارب الخمر.
2- الزوج والمكنة المالية:
إما المال فليس بتلك الأهمية في نظر الشريعة المقدسة كمقياس يجب أن يختبر به الزوج، فإذا كان عفيفاً وعنده يسار فلا مانع من إجابته لطلب الزواج لان السعادة التي يريدها الإسلام لا تتوقف على الثراء والبهجة المالية بل العكس فقد يكون المال في بعض الاحيان سبباً لاختلال العيش وفقدان البيت الزوجي نظامه التربوي فرب الأسرة مشغول بالبحث عن المال والربح ولا ينظر إلى شؤون أسرته فقد روي عن الإمام الصادق (ع) (الكفو أن يكون عفيفا وعنده يسار ).
ب- الخطبة:
الخطبة طلب المرأة للزواج بها، فهي من مقدماته، ويقال للرجل الطالب للزواج: خاطب وخطب، كما، يقال للمرأة المخطوبة: خطيبة. وحيث كانت الخطبة هي النافذة التي يتطلع الفرد الخاطب منها على الطرف الآخر، فان البحث فيها يكون كالآتي:
1- في طرق التعبير عن الخطبة.
2- في محل الخطبة ( المرأة ).
3- حكم الخطبة عند الفقهاء وفي القانون.
1- طرق التعبير عن الخطبة:
أ- التصريح بها: ويكون بكل خطاب لا يحتمل إلا النكاح، وفي هذا الصدد فالفقهاء يميلون للتصريح بالخطبة كأن يقول الرجل لمن يريد خطبتها " أريد أن أتزوجك ". أو يخاطب المرأة المعتدة " إذا انقضت عدتك تزوجتك ".
ب- التعريض بالخطبة: التعريض ضد التصريح ومعنى ذلك يقول الرجل أحب المرأة من صفاتها كذا ويذكر بعض الصفات التي هي في المرأة التي يريد التعريض بها، وبذلك يكون قد ألمح إلى رغبته بما يقبل الإنكار لو قيل له: " انك تخطب فلانة، تماما عكس التصريح بأمثلته المتقدمة.
2- محل الخطبة ( المرأة ):
لايحل للرجل الزواج م أي امرأة، بل هناك نساء يحرم زواجهن من رجال معينين، بسبب قرابة النسب أو الرضاع، كذلك ليس كل امرأة يحل أن يتقدم لخطبتها أي رجل، بل هناك من لا تحل خطبتها لهذا أو ذاك من الرجال فلا يباح للرجل أن يخطب امرأة إلا إذا كانت لا مانع يمنعها شرعاً من أن تتزوج به في الحال، وإلا يكون غيره قد سبقه بخطبتها ليتزوجها على الخلاف بين الفقهاء بالنسبة لهذا الشرط وهذا ما سيكون محل توضيح بجواز أو عدم جواز خطبة مخطوبة الغير.
وعليه فان زوجة الغير والتي تكون معتدة من الزوج فعلاً هي المرتبطة مع الرجل بعقد زواج فعلي.او حكمي
أ- زوجة الغير:
اجمع الفقهاء في جميع المذاهب على عدم جواز التصريح أو التعريض بخطبة زوجة الغير، والعلة في ذلك:
1- إن هذه المرأة في عصمة الزوج ومرتبطة معه بعقد شرعي فلا يجوز لأحد ان يتقدم ليخطب مثل هذه المرأة، فان مال المسلم ودمه وعرضه محترم. وقال تعالى في سورة النساء(والمحصنات من النساء )
2- إن التقدم لخطبة زوجة الغير يحقق الإفساد على زوجها لأنها بالموافقة على الارتباط الجديد ستبدأ بالتخلص من الزوج الأول بكل الوسائل والسبل. وهذا غير جائز وقبيح فعله.
ب- المرأة المعتدة:
1- المرأة المعتدة من الطلاق الرجعي :
إذا طلقت المرأة طلقة واحدة لزمها العدة ثلاثة قروء ( أطهار ) لقوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء). وحكم المطلقة رجعياً حكم ذات الزوج لان العلاقة الزوجية مستمرة حكماً بينهما فيجوز إرجاعها بدون عقد جديد، لذا اتفقت كلمة الفقهاء على تحريم التصريح بخطبة هذه المعتدة أما التعريض فقد أجازه المالكية ([5]).
2- المطلقة ثلاثاً في عدتها:
إن المطلقة ثلاثاً لا يجوز لمطلقها العقد عليها إلا بعد أن تتزوج برجل آخر وبعد طلاقها من قبل هذا الزوج الجديد او وفاته تحل للزوج القديم طبقاً لقوله تعالى " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان... إلى قوله فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره " ([6])
إن هذه المرأة يمنع التصريح بخطبتها من مطلقها وغيره، أما التعريض بخطبتها كالتلميح وما شاكل حيث يقول الخاطب " بك راغب " فقد أجيز لكل من " المطلق وغيره "
3- المعتدة بعدة الوفاة:
لا يجوز التصريح بخطبة المرأة التي توفي عنها زوجها في عدتها وذلك لان الشارع المقدس حفظ للزوج احترامه، فأمرها بالحشمة وعدم تعريض نفسها للرجال وعدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام طبقاً لقوله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصون بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً.. " ([7])
أما التعريض لخطبة هذه المرأة طيلة عدة الوفاة، فأن الفقهاء أجازوه، ولم يروا مانعاً في ذلك بدليل قوله تعالى " لا جناح عليكم فيما عرضتهم به من خطبة النساء " ([8])
ج- خطبة المخطوبة:
لو وافقت المرأة على الخطبة وتمت الخطبة فهل يجوز خطبتها من قبل خاطب آخر جديد علماً بأنها قد ارتبطت مع الأول بخطبتها إليه ؟
في هذه المسألة قولان: القول الأول: تحريم ذلك القول الثاني: كراهة ذلك.
دليل من قال بالتحريم قول الرسول (ص) " لا يخطب أحدكم على خطبة اخيه ".
والنهي بطبيعته يفيد التحريم من الإقدام على العمل. كما إن هناك جهة أخرى تدل على التحريم وهي إن في هذا الإقدام من الخاطب الجديد إيذاء للمؤمن وهو الخاطب الأول وفيه إثارة للشحناء وطبيعي هذا محرم، فيحرم ما كان وسيلة إلى ذلك.
ولكن من يقول بالكراهة رد على ذلك.
1- إن إجابة المرأة لخطبة الشخص الأول لم تصبح زوجه له لتكون إجابتها للخاطب الثاني محرمة عليه
2- إن الدليل الذي اعتمد عليه القائلون بالتحريم غير ثابت من حيث السند.
4- إن الحديث المذكور على فرض صحة سنده لا يفيد النهي التحريمي بل يفيد النهي التأديبي.
وبهذا فالعقد يعتبر صحيحاً بين المرأة المخطوبة والخاطب الثاني حتى لو قلنا بتحريم خطبة هذه المرأة لان النهي قد ورد على الخطبة نفسها ولم يرد على العقد أي عقد الزواج فمورد النهي لا يتعدى إلى غيره. اذ ان النهي هنا نهي تكلفي.
3- حكم الخطبة عند الفقهاء والقانون:
أ- عند الفقهاء:
إن حكم الخطبة تابع لحكم الزواج فتحل الخطبة حيث يحل الزواج بالمخطوبة، وتحرم الخطبة حيث تكون المرأة يحرم التزوج بها بإجماع الفقهاء لذا يراجع ما قلنا في المحرمات من النساء التي لا يجوز خطبتهن ليتضح لنا ما يجوز خطبتهن وما لا يجوز.
ب- في القانون:
نصت المادة (3) بالفقرة الثالثة منها على إن " الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة والخطبة لا تعتبر عقداً ".
ومن خلال هذا النص يتضح لنا انه يحق لكل من الطرفين أو احدهما العدول عن الخطبة بسبب أو دون سبب وفقاً لقاعدة " الجواز الشرعي ينافي الضمان " وبذلك انه لا مسؤولية على اي منهما تجاه الآخر.
وحيث إن الخطبة لا تعد عقداً ملزماً وان مجرد العدول عنها لا يستلزم المسؤولية لذا فالتعويض عن الضرر تحكمه قواعد المسؤولية التقصيرية في هذا الجانب. فالخطبة تعتبر عقدا عند بعض الطوائف المسيحية ويجب ان يتم هذا العقد في الكنيسة وبحضور القس واكدت ذلك م/12 من قانون الطوائف المسيحية.
ج- مقدار ما ينظر كل من الخطابين إلى الآخر:
من المعروف إن الخاطب يجب أن يعرف من يريد الزواج منها من ناحية أسرتها وأخلاقها وثقافتها وسائر النواحي الأخرى، ولكن الرسول (ص) أباح النظر إلى المرأة المخطوبة إلا انه لم يحدد الموضع أو الجزء الذي يباح النظر إليه ومن ثم اختلف الفقهاء في مقدار ما يجوز النظر إليه من الخاطب الأخر كما يأتي:
1- ذهب فقهاء الحنابلة والمالكية إلى جواز النظر إلى الوجه وعبر عن ذلك ابن قدامة في المغني وهو احد فقهاء الحنابلة بأنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم .
2- ذهب الشافعية إلى جواز النظر إلى الوجه والكفين، مستدلين بما روي عن الرسول (ص) جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: " إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي (ص) نظرت إليها ؟ قال: لا، قال فاذهب وانظر إليها فان في أعين الأنصار سيئة ".
3- ذهب فقهاء الحنفية إلى جواز النظر إلى قدمي المخطوبة إضافة إلى الوجه والكفين.
4- ذهب فقهاء الأمامية إلى ثلاثة أقوال:
أ- ذهب بعضهم إلى قصر النظر إلى وجه وكفي المخطوبة.
ب- ذهب البعض الآخر بجواز النظر إلى الشعر والمحاسن كوجهها وشعرها ورقبتها وكفيها ومعاصمها وساقيها ، كما جاء في التصريح عن الإمام الصادق (ع) قال... قلت.. أينظر الرجل إلى المرأة التي يريد تزويجها إلى شعرها ومحاسنها فيجيب الإمام قائلاً:" لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً ".
المحاضرة الثالثة:
الزواج
تعريفه، أركانه، شروطه
التعريف بالزواج
أولاً: تعريف الزواج
أ- في اللغة:
الزواج: هو الاسم من التزويج ويريد به أهل اللغة: الاقتران ([9]) والارتباط وكل شيئين اقترن احدهما بالآخر فهما زوجان من غير فرق بين إن يكون الشيئان من شكل واحد، او متناقضين فهما زوجان، وكل واحدٍ منهما زوج، فإذا قيل: زوج الشيء فقد قرنه بالآخر.
ب- عند الفقهاء:
لا يخرج الزواج في المصطلح الفقهي في كونه " عقد تحل به العشرة وكافة الإستمتاعات بين الرجل و المرأة، طبقاً لشروط أملتها الشريعة المقدسة لابد من توفرها في هذه العملية الاقترانية ".
وقد تكررت هذه المادة في القرآن الكريم وأريد منها معاني عديدة كالاقتران المطلق أو المشابهة أو الصنف أو النوع، كقوله تعالى ) وزوجناهم بحور عين ( ([10]) وقوله تعالى ) أو يزوجهم ذكراناً وإناثا ( ([11]).
وعندما خاطب القرآن الكريم النبي (ص) قائلاً له ) فلما قضى زيد منها وطراً زوجنكها ( ([12]) فقد أريد من الزواج هنا: النكاح، إي أنكحتك إياها.
كما وردت مادة الزواج في السنة النبوية كقول الرسول (ص) " تزوجوا فاني مكاثر بكم الأمم " وقوله (ص) " ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله من التزويج " وقوله " من استطاع منكم الباءة فليتزوج ".
ج- في القانون:
نصت المادة الثالثة من الفقرة الأولى من قانون الأحوال الشخصية على أن (الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل ) وهذا التعريف منقول نصاً عن المادة الأولى من مشروع قانون الأحوال الشخصية العربي، وان حل استمتاع كل من الرجل و المرأة بالآخر على الوجه المشرع هو أهم اثر لانعقاد هذا العقد وهو المقصود منه.
ثانياً: حكمة تشريع الزواج
أ- حكمة التشريع:
الزواج ضرورة تقتضيها دواعي الشريعة والعقل والطبع.
أما دواعي الشريعة فنصوص القرآن والسنة النبوية تشجع وترغب في الزواج كقوله تعالى ) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة(.
وجاء في السنة النبوية الشريفة " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة " وجاء عن النبي (ص) " أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر والسواك والنكاح ".وعن أبي جعفر (ع) قال رسول الله (ص) (ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا لعل الله يرزقه نسمه تثقل الأرض بلا اله إلا الله ) ,وقال رسول الله (ص) ( من أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة ) وعن أبي عبد الله الصادق (ع) إن رسول الله قال (من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الأخر ) وقال أبو عبد الله الصادق (ع) (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب ) وعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال قال رسول الله (ص) (رذال موتاكم العزاب )وقال رسول الله (ص) (أكثر أهل النار العزاب )
والزواج في نظر الرسول (ص) هو مفتاح الرزق كما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام الباقر (ع) عنه (ص) قوله " اتخذوا الأهل فانه أرزق لكم ".
وقد حذرت الشريعة المقدسة المرأة والرجل من مغبة العزوف والانقطاع عن الزواج فقد قال أمير المؤمنين (ع) أن رسول الله (ص) قال (من أحب أن يتبع سنتي فأن من سنتي التزويج )وقال (ص) أيضا " أترغبون عن النساء ؟ أني آتي النساء. واكل بالنهار، وأنام بالليل فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وأما دواعي العقل: فان كل عاقل ينشد العزة والمنعة والنصرة في الحياة كما ينشد خلود اسمه وبقاء ذكره واستدامة خبره بعد الموت، ولا يتحقق ذلك إلا عن بقاء النسل واستمرار الخلف ولا يكون ذلك إلا بزواج مشروع.
ذلك أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لايستطيع العيش بمفرده وتمر به حالات من المرض والضعف يحتاج فيها الى من يعينه عليها ولن يجد ابر به من زوجة صالحة فضلا عن الغريزة الفطرية ناهيك عن ان الامتناع عن الزواج لمدة طويلة يؤثر على الحالة النفسية، ويترك آثاراً سيئة على الإنسان وصحته.
ب- حكم الزواج:
ويراد بحكم الزواج، وصفه الشرعي، وان كلمات الفقهاء لا تخرج عن انه يتصف بالأحكام التكليفية الأربعة وهي:
1- الوجوب / فالزواج واجب إذا كان الشخص قادراً من الناحية المالية والجسمية ويغلب على ظنه الوقوع في الزنا لو لم يتزوج.
2- الندب ( الاستحباب ): إذا كان الشخص معتدلاً في طلب النساء وكان قادراً من الناحية المالية ولكنه لا يخاف الوقوع في الزنا، فهنا الزواج بالنسبة له مستحبا.
3- الكراهة: فالزواج مكروهاً للشخص إذا خاف إن يظلم المرأة، لان الزواج حينئذ يكون سبباً لارتكاب الإثم في حق نفسه وحق من يتزوج بها.
4- الحرمة: فالزواج محرماً إذا تيقن انه بالزواج سيجور ويظلم بان كان عاجزاً من الناحية المالية والجسمية فالزواج طريق إلى الحرام على سبيل القطع وما يؤدي إلى الحرام على سبيل القطع فهو حرام.
ثالثاً: أركان عقد الزواج:
أركان الزوج تستنبط من خلال تعريف الزواج، وحيث علمنا إن الزواج هو عقد، فلا بد لكل عقد من أركان يقوم عليها، ولا يوجد إلا بها، وقد جرى القول بأن أركان أي عقد بصفة عامة أربعة هي: العاقدان، المعقود عليه وصيغة العقد وهي الإيجاب والقبول.
إلا انه في عقد الزواج بصفة خاصة، نجد أن المعقود عليه، وهو استمتاع كل منهما بالآخر، ليس شيئاً خارجاً عن المتعاقدين، كالسلعة في عقد البيع مثلاً، بل هو أمر بينهما، كما نجد أن الصيغة تكون منهما أيضاً، ولذلك يصح لنا أن نعتبر بان أركان الزواج اثنان فقط: الإيجاب والقبول ([13]) والإيجاب هو ما صدر من احد العاقدين أولاً، والقبول ما صدر عن الآخر كأن تقول المرأة: زوجت نفسي منك / فيقول الرجل: قبلت زواجك لي ومثله ما إذا صدر إيجاب من الولي أو الوكيل في العقد، وصدر القبول من الطرف الأخر أو وليه أو وكيله أيضاً، ولابد من بيان صفة الإيجاب والقبول فنقول:
من ناحية الصورة / إن الإيجاب والقبول يجب إن يكون على صورة الماضي مثل زوجتك، وقبلت. أوان يكون الإيجاب على صورة المضارع والقبول على صورة الماضي مثل " أتزوجك ، وقبلت " أو إن يكون الإيجاب علي صيغة الأمر والقبول على صيغة الماضي، زوجيني نفسك، فتقول قبلت ".
إلا أن الإيجاب إذا كان على صورة المضارع أو الأمر، فلابد وان تتوفر القرائن حينئذ، على إرادة إنشاء العقد لان هاتين الصورتين تفيد معنى الحال كما تفيد الاستقبال لذا كانت بعيدة بعض الشيء عن معنى إنشاء العقد إلا إذا دلت القرائن على ذلك.
ومن حيث المادة التي يشتق منها الإيجاب والقبول " فنقول " إن الفقهاء أوجبوا إن يشتق الإيجاب من الألفاظ الصريحة التي وصفت لمعنى الزواج لغة، واستعملها الشارع الحكيم مثل " لفظ التزويج، والأنكاح ومشتقاتهما، هذا ما ذهب إليه فقهاء الشافعية والأمامية وبعض المالكية، إما الأحناف فبالإضافة إلى الألفاظ الصريحة المارة الذكر فقد اتفق فقهائهم على أن الإيجاب يتحقق، فينعقد الزواج إذا كان اللفظ المجازي يفيد معنى التمليك في الحال وبغير عوض، كلفظ الهبة والصدقة والتمليك ودليلهم قوله تعالى " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي " ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث امرأة عرضت نفسها على الرسول (ص) فأعرض عنها، ثم طلب احد الصحابة الحاضرين إن يتزوجها فقال له الرسول (ص) " ملكتكها بما معك من القرآن ".
أما أسلوب الإيجاب والقبول:
يتحقق الإيجاب والقبول بالأساليب التالية:
1- العبارة: إي التلفظ بالإيجاب والقبول. ولا يصح عقد الزواج بغير العبارة مع القدرة عليها.
2- الإشارة: لمن لا يحسن العبارة، فإشارة الأخرس إذا فهم معنى العقد كافية لانعقاده باتفاق الفقهاء في حالة إذا لم يكن يحسن الكتابة أما إذا كان يحسنها فقد ذهب بعض الفقهاء أو عليه الحنفية أن العقد لا ينعقد بالإشارة.
في حين ذهب البعض الآخر ( الأمامية ) إلى إن العقد ينعقد بإشارة الأخرس ولو كان يحسن الكتابة.
3- الكتابة: وهو كتاب يرسله الخاطب أو المخطوبة بإيجابه فيقبل الطرف الآخر، وصورة ذلك أن يكتب إليها يخطبها، فإذا بلغها الكتاب أحضرت الشهود وقرأته عليهم، وتقول: إن فلاناً قد كتب إليَّ بخطبتي، فاشهدوا أني زوجت نفسي منه ".
أما إذا لم تقل، بعد أن جاءها الكتاب، وهي بحضور الشهود سوى: زوجت نفسي من فلان، فلا ينعقد الزواج، لان من شروطه إن يسمع الشهود الإيجاب والقبول، وبأسماعها الشهود نص الكتاب وتعبيرها عما جاء فيه يتم هذا الشرط، بخلاف ما إذا انتفى الأمران معاً.
4- الرسول: أي أن يرسل الخاطب أو المخطوبة رسولاً يحمل إيجابه ويبلغ هذا الرسول الرسالة إلى المخطوبة مثلاً، فقبلت بحضرة الشهود تعقد العقد وذلك لان إرسال رسول بإيجابه يعتبر كأنه صدر عنه شفوياً في مجلس العقد دفعاً للعسر وتحقيقاً لليسر، ولهذا يعتبر مجلس العقد هو مجلس بلوغ الرسالة، وكذلك مجلس بلوغ الكتاب وسواء كان الرسول صغيراً أو كبيراً. وهذه الصورة لم ينص عليها المشرع العراقي وانما نص على الكتابة من الغائب.
إلا أن بين الكتابة والرسالة يحملها الرسول فرقاً في رأي الفقهاء فإنه إذا لم تقبل المرأة الزواج في مجلس تبليغ الرسالة إليها، ثم قالت في مجلس آخر: قبلت، لا ينعقد لعدم اتصال القبول بالإيجاب، إذ ذهب وتلاشي كلام الرسول بمجرد تبليغه.
أما في صورة الكتاب، الذي يحمل الإيجاب فإن لها أن تقرأه على الشهود في مجلس آخر بعد أن لم تقبل في المجلس الأول، وتقبل الزواج فيه وحينئذ ينعقد العقد لان الإيجاب يعتبر موجوداً وقائماً بقيام الكتاب، وسواء في ذلك البيع والزواج وسائر التصرفات الأخرى.
المحاضرة الرابعة:
رابعاً: شروط عقد الزواج
نصت المادة (5) من قانون الأحوال الشخصية على ما يأتي:
" تتحقق الأهلية في عقد الزواج بتوافر الشروط القانونية والشرعية في العاقدين أو من يقوم مقامهما ".
فهذه المادة تتكلم في أهلية عقد الزواج، التي لا تتحقق إلا بتوفر شروطه وبينت هذه المادة، ان للعقد نوعين من الشروط:
1- شروطاً قانونية ( شكلية ).
2- شروطاً شرعية ( موضوعية )........... وفيما يلي نتكلم عن النوعين بالتفصيل.
الشروط الشرعية للعقد ([14])
نصت المادة السادسة على بعض من الشروط الشرعية فنصت على أنه " لا ينعقد عقد الزواج إذا فقد شرطاً من شروط الانعقاد أو الصحة المبنية فيما يلي:-
أ- اتحاد مجلس الإيجاب والقبول.
ب- سماع كل من العاقدين كلام الآخر واستيعابها بأنه المقصود منه عقد الزواج.
ج- موافقة القبول للإيجاب.
د- شهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية على عقد الزواج.
هـ- أن يكون العقد غير معلق على شرط أو حادثة غير محققة.
من خلال ذلك يتضح لنا أن الشروط الشرعية كثيرة ومتنوعة وهي تنحصر في أربعة أقسام:-
1- شروط الانعقاد.
2- شروط الصحة.
3- شروط النفاذ.
4- شروط اللزوم.
1- شروط الانعقاد:-
شروط الانعقاد كثيرة منها ما يكون شرطاً في العاقد ( الرجل ) ومنها ما يكون شرطاً في المرأة، ومنها ما يكون شرطاً في صيغة الإيجاب والقبول وهي كما يلي:-
الشرط الأول: الأهلية الأصلية لمباشر العقد: وتتحقق الأهلية بالتمييز فإن كان العاقدان أو احدهما غير مميز ( مجنون، صبي لم يبلغ سن التمييز ) لم ينعقد بعبارته لأن العقد وليد الإرادة والقصد، وهذا لا يتحقق مع غير المميز.
الشرط الثاني: سماع كل من العاقدين كلام الآخر واستيعابهما بأن المقصود هو عقد الزواج، وذلك بالعبارة للقادر عليها أو بالإشارة بالنسبة للأخرس أو بالكتابة إذا كان أحد العاقدين غائباً.([15])
الشرط الثالث: اتحاد مجلسي الإيجاب والقبول: ويحصل الاتحاد في المجلس، إذا لم يصدر من العاقدين أو احدهما بعد الإيجاب ما يدل على الأعراض عنه أو الانشغال بغيره، فإذا غادر احدهما المجلس قبل القبول أو انشغل بغير كلام الموجب كان هذا الشرط متخلفاً.
الشرط الرابع: موافقة القبول للايجاب ( التطابق )، فلو قال الموجب زوجتك ابنتي فاطمة، فقال الطرف الآخر، قبلت الزواج من ابنتك زينب لم ينعقد العقد، إلا أنه إذا كانت زيادة في المهر بصيغة القبول كأن يقول الموجب زوجتك ابنتي فلانة على مهر قدره إلف دينار، فقال الطرف الآخر، قبلت الزواج من ابنتك فلانة على مهر قدره إلف وخمسمائة دينار، فالزيادة الواردة وقدرها (500) دينار هي فيها خير للطرف الأول، وبالتالي ينعقد العقد على ثلث المال إلا إن هذه الزيادة تحتاج إلى قبول من الزوجة لأنها تمليك والتمليك يحتاج إلى قبول من المملك.
الشرط الخامس: التنجيز
لا ينعقد العقد إذا علق الإيجاب فيه على حصول أمر في المستقبل أو أضيف إلى زمن مستقبل بل يشترط أن يكون العقد منجزاً، كأن يقول رجل لامرأة، تزوجتك، فتقول / قبلت وهذا الشرط نص عليه المشرع العراقي حين أوضح انه لا يجوز أن يكون العقد معلقاً على شرط أو حادثة غير محققة.
إلا إذا اقترن العقد بشرط جائز، فهناك فرق بين تعليق العقد على شرط وبين اقترانه بشرط، فالأول غير جائز، والثاني جائز فالشروط إذا كانت صحيحة ومشروعة بأن يقتضيها العقد أو تؤكد مقتضاه أو مما جرى بها العرف أو أجازها الشارع المقدس لا مانع من ان تذكر في عقد الزواج وتكون ملزمة يجب الوفاء بها، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة السادسة من القانون بنصها " الشروط المشروعة التي تشترط ضمن عقد الزواج معتبرة يجب الوفاء بها ".
كما أعطت الفقرة الرابعة من المادة نفسها على أنه للزوجة حق طلب فسخ العقد عند عدم إيفاء الزوج بما اشترط ضمن عقد الزواج، وهذا الموقف من المشرع العراقي جاء متوافقاً مع ما ذهب إليه فقهاء الحنابلة، ولم يعطوا للزوج حق الفسخ في هذه الحالة لأنه يملك إيقاع الطلاق.
جزاء انعدام شرط من شروط الانعقاد:
إذا تخلف شرط من شروط الانعقاد أصبح العقد باطلاً والعقد الباطل هو الذي حصل الخلل في أركانه وذلك بفقد شرط أو أكثر من شروط الانعقاد كزواج المجنون إذا باشر العقد بنفسه ".
حكم العقد الباطل:
1- لا يجوز الدخول بالزوجة فأن حصل الدخول وجب التفريق بينهما حالاً.
2- لا يجب على الزوج المهر ولا النفقة.
3- يقام عليه حد الزنا.
4- لا يرد على الزواج الباطل الطلاق.
5- لا يجب على المرأة العدّة.
6- لا يثبت النسب بين الطرفين.
2- شروط الصحة:
وهي الشروط التي إذا توافرت كان العقد صالحاً لترتب آثاره عليه وهذه الشروط هي:
الشرط الأول: أن لا تكون المرأة محرمة على الرجل تحريماً فيه شبهة أو خلاف بين الفقهاء.
ومثال ذلك زواج الرجل العمة على ابنة أخيها أو الخالة على بنت أختها استدلالاً بحديث الرسول (ص) " لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها " في حين ذهب الأمامية ان هذا الزواج صحيحاً منتجاً لآثاره الشرعية والقانونية لعدم ثبوت هذا الحديث عندهم. وفرقوا بين إدخال العمة او الخالة على بنت الأخ او بنت الأخت وبين إدخال بنت الأخ او بنت الأخت على العمة او الخالة وأجازوا زواج العمة او الخالة على بنت الأخ وبنت الأخت. إلا إنهم أوجبوا إذن الزوجة عند زواج بنت الأخ او بنت الأخت على العمة او الخالة.
الشرط الثاني: موافقة الولي إذا كانت الزوجة صغيرة أو مجنونة هذا بإجماع الفقهاء، إما إن كانت بالغة عاقلة فقد حصل الخلاف بينهم، فذهب الأمامية والحنفية إلى عدم اشتراط الولي حينئذ لأنها أحق بنفسها من وليها. في حين ذهب بقية الفقهاء وهم الشافعية والمالكية وعلى الأظهر عند الحنابلة إلى اشتراط موافقة الولي وبرأي الحنفية والاماميه أخذ المشرع العراقي لأنه عرف الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة.
الشرط الثالث: الاشهاد /
1- اوجب جمهور الفقهاء ( الحنفية، الحنابلة، الشافعية ) الإشهاد على عقد زواج استدلالاً بحديث الرسول (ص) " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " وبهذا الرأي اخذ قانون الأحوال الشخصية في المادة (6) الفقرة (1) منها من اشتراط شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية.
2- ذهب الأمامية إلى عدم اشتراط الإشهاد على الزواج وإنما يستحب الأشهاد على عقد الزواج، وسندهم في ذلك الإطلاق الوارد في الآيات التي تخص النكاح من جهة، وان حديث " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " حملوه على الاستحباب وليس الوجوب كما في حديث " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".
ذهب فقهاء المالكية إلى عدم اشتراط الأشهاد حين عقد الزواج وإنما اشترطوه قبل الدخول، فهو ليس شرط انعقاد يؤمر به عند العقد وإنما هو شرط تمام يؤمر به عند الدخول (الزفاف ). لان العلة الإشهار والعلانية وهذه تتحقق قبل الدخول.
الشرط الرابع: تأبيد العقد /
فإذا كان العقد مؤبدا غير مؤقت بمدة فان كان مؤقتا بمدة كان فاسدا أو باطلا، عدا فقهاء الأمامية الذين أجازوا الزواج المؤقت لعدم ثبوت نسخه عندهم واستدلالا بقوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ) كما هو حاصل عند بقية الفقهاء لا مجال لعرض تلك الأدلة لكل فريق في هذا الموجز من الدراسة.
جزاء تخلف شرط من شروط الصحة.
لابد من بيان إن الباطل والفاسد مترادفان عند الفقهاء في الزواجولا يوجددليل حاسم لموضوع التفرقة بين شروط الانعقاد والصحة من حيث الآثار ولم يأخذ بنظرية فساد العقد سوى فقهاء الحنفية الذين يعتبرون العقد الفاسد باطلا إلا إن بطلانه اقل مرتبة من الباطل ويمكن ان تترتب عليه بعض الآثار إذا حصل الدخول لذا فان تخلف هذه الشروط معناه جعل العقد فاسدا أنما هو نفس الأثر إذا قلنا باطلا. ألا إن واقعة الدخول في حالات شروط الصحة ترتب هي الآثار التي تختلف بطبيعتها عن آثار العقد الباطل وإلا فالعقد من حيث هو غير منعقد إلا انه قد طرأت شبهة والرسول (ص) يقول " ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم لذا فان آثار واقعة الدخول عند تخلف شروط الصحة هي:-
1- سقوط حد الزنا.
2- وجوب مهر المثل عند عدم التسمية، واقل المهرين المسمى أو المثل عند التسمية.
3- ثبوت حرمة المصاهرة.
4- وجوب العدة.
5- ثبوت النسب
6- عدم التوارث بين الزوجين
3- شروط النفاذ
وهي الشروط التي إذا تحققت ترتب عليها أثر العقد بالفعل: ويتحقق هذا بتوافر الشرطين:
1- أن يكون كل من العاقدين كامل الأهلية، سواء كان يعقد لنفسه أو لوكيله وتمام الأهلية بالبلوغ والعقل التام. فان تولاه الصغير المميز أو المعتوه كان العقد موقوفاً على إجازة الولي.
وكمال الأهلية في القانون العراقي هو تمام الثامنة عشر من العمر أو أتمام الخامسة عشرة من العمر والزواج بأذن من المحكمة، ونجد أن نص المادة السابعة صريح بقولها.
أ- يشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ.
ب- للقاضي أن يأذن بزواج احد الزوجين المريض عقلياً أذا ثبت بتقرير طبي إن زواجه لا يضر بالمجتمع وانه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزواج الآخر بالزواج قبولاً صريحاً ".
2- أن يكون لكل من العاقدين ذا صفة شرعية في تولي العقد، كأن يكون أصيلا أو ولياً أو وكيلاً، فان تولاه أجنبي كان فضولياً وحينئذ يكون العقد موقوفاً.
جزاء تخلف شرط من شرط النفاذ:
إن العقد يكون صحيحا الا انه موقوف لا يرتب أي أثر بحيث إذا حصلت الإجازة يلزم طرفيه وتترتب اثاره. فان حصل الدخول بالفعل ترتب نفس الآثار التي تترتب على تخلف شرط من شروط الصحة.
4- شروط الزوم :
وهي الشروط التي إذا تحققت كلها ثبت العقد دون أن يكون لأحد الحق في فسخه وهذه الشروط هي:-
1- إذا زوجت المرأة نفسها وهي كاملة الأهلية وجب أن يكون الزوج كفئاً لها فان لم تتحقق الكفاءة فللولي فسخ العقد. هذا عند جمهور الفقهاء أما عند الأمامية فالكفاءة حق للزوجة فقط فإذا رضيت بغير الكفء لزم العقد ولا يحق للأولياء الاعتراض وفسخ العقد.
2- إذا زوجت المرأة نفسها وهي كاملة الأهلية لزم أن يكون مهرها مهر المثل أو أكثر، فان كان اقل من مهر المثل كان للولي حق الاعتراض وفسخ العقد.
3- أن يكون الولي هو الأب أو الجد المعروفان بحسن التصرف بالنسبة لزواج ناقص الأهلية، فإذا بلغ الصبي أو عقل المجنون فلا حق في الاعتراض وفسخ العقد لأنه انعقد لازماً الا أذا كان الأب أو الجد معروفان بسوء التصرف أو سوء الخلق فيحق لهما الاعتراض أو فسخ بعد البلوغ بالنسبة للصغير والإفاقة بالنسبة للمجنون.
4- أن يكون عقد الزواج خالياً من التغرير، فإذا كان غير ذلك كان غير لازم يجوز طلب فسخ العقد. كأن يدعى الزوج انه ينتمي إلى نسب معين وتم العقد على أساس ذلك ثم تبين انه ليس من هذا النسب. فللزوجة أو أولياؤها حق فسخ العقد للتغرير الحاصل.
جزاء تخلف شرط من شروط اللزوم:
يكون العقد نافذاً غير لازم ويقوم حق الاعتراض عليه من العاقد وغيره وعدم التزامه به وإذا فسخ قبل الدخول فلا شيء للمرأة من المهر.
أما حكم الزواج النافذ غير لازم / تثبت به كل آثار الزوجية من إباحة الدخول ووجوب المهر وثبوت النسب والميراث وحرمة المصاهرة ووجوب العدة. الا انه يجوز فسخه من العاقد صاحب الحق في الفسخ.
المحاضرة الخامسة:
الشروط القانونية لعقد الزواج
الشروط القانونية التي وضعها المشروع الوضعي لإجراء عقد الزواج رسمياً ولسماع دعوى الزوجية، فهي ليست شروط انعقاد أو صحة أو نفاذ أو لزوم وإنما هي قيود قانونية وضعها المشرع لأسباب اقتضت هذه القيود لغرض تنظيم إثبات هذه الواقعة القانونية ,عليه فإذا ما تخلف شرط من هذه الشروط ترتب على ذلك اثر قانوني لا دخل له في الحكم الشرعي لان المشرع الوضعي ليس له أن ينشىء حكماً شرعياً، دينياً يحل حلالاً أو يحرم حراماً.
وقد عقد قانون الأحوال الشخصية العراقي لهذه الشروط فصلاً مستقلاً هو الفصل الرابع تحت عنوان ( تسجيل عقد الزواج وإثباته ). وقد نصت المادة العاشرة منه على ما يلي يسجل عقد الزواج في المحكمة المختصة بدون رسم في سجل خاص وفقاً للشروط الآتية:-
1- تقديم بيان بلا طابع يتضمن هوية العاقدين وعمرهما ومقدار المهر وعدم وجود مانع شرعي من الزواج، على أن يوقع هذا البيان من العاقدين ويوثق من مختار المحلة أو القرية أو شخصين معتبرين من سكانها.
2- يرفق بالبيان تقرير طبي يؤيد سلامة الزوجين من الأمراض السارية أو الموانع الصحية والوثائق الأخرى التي يشترطها القانون.
3- يدون ما تضمنه البيان في السجل ويوقع بإمضاء العاقدين أو بصمة إبهامها بحضور القاضي ويوثق من قبله وتعطى للزوجين حجة بالزواج.
4- يعمل بمضمون الحجج المسجلة وفق أصولها بلا بينة، وتكون قابلة للتنفيذ فيما يتعلق بالمهر، ما لم يعترض عليها لدى المحكمة المختصة.
ويعد نص المادة واضح وصريح ولا يحتاج إلى الشرح والإطالة.
الإقرار بالزوجية
إذا ما أقر رجل بالزوجية لامرأة من الناس، واعترفت هي بإقرار الرجل لها وكانت محلاً للاقرار بأن توفرت فيها شرط الإقرار بالزواج وهي: البلوغ والعقل والخلو من زوج سابق ومن عدة، قبل إقراره وتثبت الزوجية وترتبت عليها جميع آثارها، من وجوب النفقة وثبوت حق التوارث وثبوت النسب.
أما إذا أنكرت ذلك، فان على الرجل أن يثبت دعواه بالبينة وهي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فان عجز عن ذلك، وجهت اليمين إلى الزوجة، فان حلفت ردت دعوى الزوج وان نكلت عن اليمين ثبتت الزوجية، وذلك عملاً بالقاعدة الشرعية والقانونية، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، ومثل ذلك ما لو كانت الزوجة هي المدعية. ونصت المادة الحادية عشر على ما يلي:
1- إذا أقر أحد لامرأة إنها زوجته ولم يكن هناك مانع شرعي أو قانوني ن وصدقته ثبتت زوجيتهما له بإقراره.
2- إذا أقرت المرأة إنها تزوجت فلاناً وصدقها في حياتها، ولم يكن هنالك مانع قانوني أو شرعي ثبت الزواج بينهما وان صدقها بعد موتها فلا يثبت الزواج.
**لايثبت الزواج بهذا الإقرار , إلا انه يمكن إثباته بطرق الإثبات الأخرى.
المحاضرة السادسة:
السن المقررة للزواج فقهاً وقانوناً
لابد لنا ونحن نبحث عما تراه الشريعة بالنسبة إلى السن التي تؤهل كلاً من الرجل والمرأة للزواج أن نوضح أهلية الزواج ( أي السن ) في الشريعة الإسلامية أولاً ثم موقف القانون منها ثانياً.
أولاً: موقف الفقهاء من سن الزواج.
يفرق الفقهاء المسلمين بين أهلية العقد وأهلية الدخول، حيث أن الفقهاء لم يحددا سناً معينة لكلا الزوجين في مرحلة العقد بل سمحوا إجرائه وحصوله في أي سن كان كل من الزوجين وحتى لو كان الزوج صغيراً رضيعاً والزوجة طفلة ترضع، فما دامت قد تحققت أهلية الوجوب فانه اهلٌ للزواج.
وطبيعي أن العقد في حالة الصغر يكون للوليين لا لهما ,على خلاف بين الفقهاء، فيما لو زوج الولي، أو الوليان الصغير أو الصغيرين وبعد البلوغ رد احدهما أو كلاهما من حيث نفوذ هذا الرد وعدم هذا من ناحية أصل الجواز من قبل الوليين أو الولي إذا كانت في البين مصلحة في مثل هذا العقد.
إما من الناحية الاجتماعية فلم نجد اهتماماً كثيراًَ من الأحاديث الكريمة بمثل ذلك وذلك نتيجة التخوف من عدم تحقق الائتلاف بين الطرفين ويأتي نتيجة طبيعة لما يحدث كثيراً في الخارج وعلى صعيد المجتمع الذي يسلب الحرية من الإفراد. هذا مرحلة ما قبل الدخول ( اي العقد ).
إما الدخول بالزوجية: . وقد حدد الفقهاء جواز الدخول بالمرأة غير المملوكة بأكمالها السنين التسع من عمرها، وهذا ما قال به فقهاء الشيعة الأمامية وسندهم في ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (ع) " إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين ".
وفي بعض الإخبار " لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين " والأخبار بمثل هذا التحديد كثيرة ".
على إن المنع من الوطء قبل التاسعة لا يمنع من الزوج من إباحة جميع الاستمتاعات للزوج من زوجته .
ولا بد من القول إن رضا الزوجين من المقدمات الأساسية لعقد الزواج فالزواج من العقود الرضائية التي تقوم بطرفين من حيث عدم تحقق وجود له لو اكره احد الزوجين على قبوله فالرجل لو وصل إلى حد البلوغ وكان له من الرشد ما يؤهله للقيام بمثل هذه الأعمال فان له كامل الحرية في الاقتران بمن يريد ولا ولاية لأحد عليه. وكذلك المرأة ألا إنها تختلف عنه في بعض المراحل، لان طبيعتها الأنثوية تفرض عليها عدم الاختلاط بالرجال بذلك وقع الاختلاف في الاكتفاء برضاها فقط، بل يذهب بعض الفقهاء إلى ضم وإشراك الولي معها ([16]).
ثانياً: موقف القانون من سن الزواج:
قسم قانون الأحوال الشخصية العراقي أهلية الزواج إلى قسمين: كاملة وناقصة.
أهلية الزواج الكاملة:- وتتحقق هذه الأهلية بالعقل وإكمال الثامنة عشرة من العمر، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (7) من القانون ونصها " يشترط في تمام أهلية الزواج العقل وبإكمال الثامنة عشرة.
ومعلوم أن اشتراط العقل وإكمال الثامنة عشرة من العمر لتمام أهلية الزواج اشتراط قانوني لا شرعي، والمقصود بذلك إن القانون لا يحول الزواج من شرعي إلى غير شرعي وإنما الزواج يبقى جائزاً صحيحاً منتجاً لآثاره الشرعية وان لم يسجل في المحكمة المختصة والجزاء المترتب على ذلك خضوع المخالف لإحكام المادة 10/5 من قانون الأحوال الشخصية وهي عقوبة جزائية على من تزوج خارج المحكمة.
أهلية الزواج المعدومة:- وتتحقق هذه الأهلية:-
- للمريض عقلياً وفقاً للفقرة الثانية من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أنه " للقاضي أن يأذن بزواج احد الزوجين المريض عقلياً إذا ثبت بتقرير طبي ان زواجه لا يضر بالمجتمع وانه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزوج الآخر بالزواج قبولاً صريحاً ".
- اهلية الزواج الناقصة:- وتتحقق هذه الاهلية:-
- وفقاً للتعديل الثاني لقانون الأحوال الشخصية رقم 21 لسنة 1978، حيث ألغيت المادة الثامنة وحل محلها ما يأتي.
" المادة الثامنة إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فللقاضي أن يأذن به إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له فان لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار إذن القاضي بالزواج ".
وقد كان القانون قبل التعديل يعتبر ذلك لمن أكمل السادسة عشرة من العمر بموجب المادة الثامنة التي ألغاها التعديل.
وحسناً فعل المشرع بهذا التعديل لأنه بدلاً من أن يخالف الناس القانون بالزواج خارج المحكمة فقد اوجد المشرع طريقاً حسناً وقانونياً لقانونية هذا الزواج، خاصة انه تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
الحالات التي يلزم معها الحصول على إذن القاضي لإجراء عقد الزواج.
أولاً: زواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر ([17]) ففي هذه الحالة لا يصح إجراء العقد إلا بعد أن يقدم طلب إلى القاضي ليأذن بأجراء الزواج وعلى القاضي أن يتأكد من أمرين:
1- أهلية الزوج وقابليته البدنية: والمراد هنا صلاحيته وقابليته لمباشرة الزواج وهذا متروك لقناعة القاضي في ضوء للبيانات والتحري وصولاً إلى صلاحية هذا الرجل أو المرأة من عدمه للزواج وهو في هذه السن. وله في سبيل ذلك عرض الزوج و الزوجة على لجنة طبية لبيان القابلية البدنية من عدمها
2- موافقة الولي الشرعي: فإذا امتنع عن أن يأذن بالزواج فهنا يقوم القاضي بالطلب من الولي أن يصدر موافقته خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار إذن القاضي بالزواج.
وبهذا يتضح لنا أن في هذه الصورة من الزواج، لا يشترط فيها موافقة الولي فموافقته لا تجبر القاضي على إجراء عقد الزواج ورفضه لا يجبر القاضي على عدم إجراء هذا العقد.
ثانياً: تزويج المريض عقلياً:
نصت الفقرة (2) من المادة السابعة من قانون الأحوال الشخصية على أنه " للقاضي أن يأذن بزواج احد الزوجين المريض عقلياً إذا ثبت بتقرير طبي إن زواجه لا يضر بالمجتمع وانه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزوج الأخر بالزواج قبولاً صريحاً ".
وبهذا فأن هذه المادة قد حددت للقاضي أمور يجب أن يتأكد من توافرها حتى يعطي الإذن بالزواج للمريض عقلياً:
1- أن لا يضر الزواج بالمجتمع كأن يكون الأولاد الذين هم ثمرة هذا الزوج يخرجون مشوهين.
2- أن يثبت أن الزواج فيه مصلحة شخصية لهذا المصاب كان يكون لديه خلل بالزواج يرجى منه الشفاء
3- أن يقبل الطرف الآخر قبولاً صريحاً. بالزواج من هذا الشخص مع علمه بمرضه العقلي.
وحقيقة أن العبارة الأخيرة من نص المادة (7 /2) من القانون، تبدو زائدة لان الزواج هو من العقود الرضائية فالقبول الصريح يكون في الزواج بشكل مطلق ولكن المشروع أراد التأكيد على رضاء الطرف الأخر بهذا الزواج مع علمه بان الطرف الأخر مريض عقليا.
ثالثاً / الزوج من امرأة ثانيه:
نصت الفقرة (4) من المادة (3) من قانون الأحوال الشخصية على انه لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن تحقق الشرطين التالين:
أ- أن تكون للزوج كفاية ماليه لإعالة أكثر من زوجة واحدة.
ب-أن تكون هناك مصلحة مشروعة
ونصت الفقرة الخامسة من المادة ذاتها على انه إذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير ذلك للقاضي وبهذا أصبح تعدد الزوجات متوقفاً على إذن القاضي.
نقول أن الآية القرآنية صريحة بقوله تعالى. " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم . وبهذا فان هذا النص مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية.
ولشرح هذه المادة نقول أن توافر شرطين لا غير حتى يحصل معها الإذن بالزواج.
1- أن يثبت الزوج بمستندات مالية معتبرة انه قادر على إعالة أكثر من زوجة واحدة وان شخصيته تتوافر فيها مَلّكة العدل وحسن الإدارة.
2.أن تكون هناك مصلحة مشروعة في هذا الزواج. ومثال ذلك أن زوجته الأولى هي عقيم لا تلد أو كثيرة المشاكل مع زوجها لا تطع له امرأ ولا تسمع له قولاً، ا وان ظروفه الشخصية لا يستطيع معها إلا الاقتران بزوجتين أو أكثر .
ونجد أن القانون قد وضع عقوبة لمن يتزوج بدون الحصول على حجة إذن بالزواج وهذا ما نص عليه الفقرة (6) من المادة ذاتها بقولها " كل من أجرى عقداً بالزواج بأكثر من واحدة خلافاً لما ذكر في الفقرتين 4 و 5 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة بما لا يزيد على مائة دينار أو بهما ".
وهناك استثناء على الفقرتين 4 و 5 وهو الزواج بأرملة ([18]).وكذلك إعادة المطلقة الى عصمة زوجها. وقد أضيفت هذه الحالة بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 147 لسنة 1982.
الزواج بالإكراه
الإكراه هو أجبار شخص بغير حق على أن يعمل عملاً دون رضاه وهو احد عيوب الإرادة وجعل المشرع العراقي في القانون المدني جزاؤه الوقف أي إذا شاب العقد عيب الإكراه يكون العقد موقوفاً.
ونجد أن الزواج هو عقد إلا انه له خصوصية ونظام مستقل يختلف عن العقود المدنية والتجارية لذا فالبحث في الزواج يختلف عنه البحث فيه في غيره من العقود.
ونجد أنه لا خلاف بين الفقهاء المسلمين في إن الزواج بالإكراه لا أثر شرعي له فالزواج من العقود الرضائية، لكن ما الحكم لو حصل الدخول، نجد أن هناك خلاف، فالرسول (ص) يقول " ادرؤوا الحدود بالشبهات " فلا يعتبر ذلك زنا ولايقام الحد.
ونلاحظ إن قانون الأحوال الشخصية قد عنى بهذه المسالة وعالجها إلا انه لم يحسن المعالجة وهذا نص المادة التاسعة التي نصت على انه:
1- لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلاً، إذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار منع من كان أهلاً للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج.
2- يعاقب من يخالف أحكام الفقرة (1) من هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا كان قريباً من الدرجة الأولى أما إذا كان المخالف من غير هؤلاء فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.
3- على المحكمة الشرعية أو محكمة المواد الشخصية الإشعار إلى سلطات التحقيق لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالف لأحكام الفقرة (1) من هذه المادة ولها توقيفه لضمان حضوره أمام السلطات المذكورة ويحق لمن تعرض للإكراه أو المنع مراجعة سلطات التحقيق مباشرة بهذا الخصوص.
ومن أهم المؤاخذات على هذا النص القانوني أن عقد الزواج بالإكراه باطلاً إذا لم يتم الدخول ومعنى هذا أن الزواج بالإكراه يمكن أن يعترف به وان يكون صحيحاً بعد الدخول ومن البديهي أن الباطل منعدم لا تلحقه الإجازة ولا يفيد الحكم أصلا. ولذا فان هذه الحالة فيها مخالفة للقواعد القانونية العامة.
المحاضرة السابعة:
الولاية والوكالة في عقد الزواج
عقد الزواج كغيره من العقود يشترط فيمن يتولاه أن تكون له ولاية إنشائه فأن تحققت هذه الولاية كان عقداً صحيحاً نافذا باتفاق الفقهاء أما إذا لم يتحقق فإن العقد لا يكون صحيحاً عند بعض الفقهاء ويكون صحيحاً ولكنه غير نافذ ( موقوفاً ) عند بعضهم الآخر.
وولاية العقد أما إن تكون إنابة شرعية وهذا ما يطلق عليه بـ ( الولاية ) وأما أن يكون إنابة من صاحب الشأن فتكون " الوكالة وهذا ما سيكون موضوعاً للبحث هنا ".
أولاً:- الولاية.
الولاية في اللغة: النصرة والمحبة – بالفتح والكسر. أما اصطلاحاً فتعني سلطة شرعية يملك بها صاحبها حق التصرف في شؤون غيره جبراً عليه. والذي يعنينا هنا الولاية على النفس في الزواج.
فالولاية في الزواج أما ولاية إجبار / تلك التي يتفرد بها الولي بإنشاء عقد الزواج دون الرجوع الى احد كتزويج الأب ابنته او ابنه الصغيرين او المعتوهين.
وأما ولاية ندب ( استحباب ) وهي تلك التي يشترك فيها مع الولي غيره في المشورة والتدبير. كتزويج الأب ابنه البالغ العاقل أو ابنته البالغة العاقلة.
شروط الولي:
يشترط في الولي عدة شروط هي:-
1- البلوغ: فلا يجوز ولاية الصغير.
2- العقل: فلا ولاية للمجنون او المغمى عليه، ونحوهما.
3- الإسلام: وهذا الشرط يختص به فيما لو كان المولى عليه مسلماً فلا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم لقوله تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المسلمين سبيلاً ".
من هو الولي:
1- عند الحنفية: تثبت الولاية للأقارب جميعاً ولغيرهم على الترتيب الآتي:
أ- العصبة النسبية: وهو كل قريب ذكر لا تنفرد أنثى بالتوسط بينه وبين قريبه وهم جهات أربع. 1- البنوة 2- الأبوة 3- الأخوة 4- العمومة.
ب-الأقارب من غير العصبات: وهم مرتبون على الراجح من مذهب الحنفية كما يلي:
1- الأصول: وهو الأم، ثم أم الأب، ثم أم الأم.
2- الفروع: وهم البنت، ثم بنت الابن، ثم بنت البنت، وبعد هؤلاء يأتي الجد لام
3- فروع الأبوين: وهم الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأب، ثم الأخ والأخت لأم على سواء.
4- فروع الجدين: وهم العمات مطلقاً والأعمام لأم، ثم الأخوال والخالات ثم أولادهم.
ج- الإمام أو من ينوب عنه، لقوله عليه واله الصلاة والسلام " السلطان ولي من لا ولي له ".
2- عند الشيعة الأمامية:
الولي هو الأب، والجد من طرف الأب بمعنى أب الأب فصاعداً من يتدرج عنه أب أم الأب والوصي لأحدهما مع فقد الآخر بالنسبة للملوك: والحاكم، ولا ولاية للأم ولا من قبلهما ولو من قبل أم الأب ولا الأخ، والعم، والخال وأولادهم. وسندهم في ذلك ما روي عن الإمام الصادق (ع)(المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز ) و عن الإمام الصادق (ع) في رجل يريد ان يزوج أخته قال ( يؤامرها فان سكتت فهو إقرارها وان أبت لم يزوجها فان قالت: زوجني فلانا زوجها ممن ترضى واليتيمة في حجر الرجل لايزوجها إلا برضاها ). وعن عبد الخالق قال سألت أبا عبدالله الصادق (ع) عن المرأة الثيب تخطب الى نفسها قال (هي املك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كان كفوا بعد ان تكون نكحت زوجا قبل ذلك ).وعن ابي عبد الله الصادق (ع) ( الجارية البكر التي لها أب لاتتزوج ألا بإذن أبيها ,وقال:اذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت.) وعن ابي عبد الله (ع) قال (لاتستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو انظر لها. أما الثيب فأنها تستأذن , وان كانت بين أبويها إذا أراد أن يزوجاها ).
وقد اختلف الفقهاء في الولاية على البنت البالغة، فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى استقلال الولي ويقابل هذا القول قول آخر باستقلالها وعدم ولاية أحد عليها.
أما القول الثالث فهو التشريك بين البنت ووليها فقد ذهب إليه جمع من الفقهاء الأمامية كحد وسط بين طائفتين من الأماميين نقول إحدى الطائفتين استقلال المرأة وعدم اعتبار إذن احد عليها ولو كان ذلك الشخص أقرب الناس إليها كالأب أو الأخ، ويستدلون على رأيهم بقول الامام الصادق (ع) " لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذنه. أي إذن الولي.
والطائفة الثانية من الأحاديث يقول أن الأمر يعود إليها ، يقول الإمام الصادق (ع) عندما يسال " البكر إذا بلغت مبلغ النساء لها مع أبيها أمر ؟ فقال ( عليه السلام ): ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب " هذا بالنسبة للمرأة البكر أما الثيب فلا ولاية عليها باتفاق الفقهاء ".
3-اما باقي فقهاء العامة رأيهم ان الولاية للأب والجد عند الشافعي تزويج البكر بغير رضاها صغيرة كانت أو كبيرة وبه قال مالك في الأب، وهو أشهر الروايتين عن احمد بن حنبل في الجد ".
أحكام تزويج الأولياء
أولاً: إذا كان الولي الأب أو الجد أو الابن، على أمه أو أبيه المجنونين، وكان معروفاً بحسن التصرف فإن عقده لمن هو في ولايته عقد صحيح نافذ لازم ولو كان بغير كفء أو بأقل من مهر المثل بالنسبة للزوجة والسبب في ذلك أن الأب والجد والابن يتوفر لديهم الشفقة والرحمة على من تحت ولايتهم ولا يتصور منهم الإضرار بهم فان تساهلوا في الكفاءة والمهر فلا بد أن يكون وراء ذلك مصلحة أهم وإلى هذا الرأي ذهب فقهاء الجعفرية أيضاً.
ثانياً: إذا كان الولي الأب أو الابن وكان معروفاً بسوء التصرف فان زَوْجَ من في ولايته، كان العقد نافذاً غير لازم أو غير صحيح أذا كان بغير كفء او بأقل من مهر المثل وقال الجعفرية: إن العقد موقوف على إجازة المولى بعد تحقق أهليته.
ثالثاً: إذا كان الولي غير الأب أو الجد أو الابن، أن يكون الأم أوالاخ اوالعم او القاضي. فأن كان الزواج من غير كفء وغبن فاحش في المهر فالعقد غير صحيح لتحقق الضرر مع عدم وجود الحرص الأكيد على مصلحة المولى عليه كما هو الشأن في الأب والجد، وإن كان بكفء وبمهر المثل: فالعقد صحيح موقوف على إجازة المولى عليه بعد تحقيق أهليته.
ونجد أن خيار البلوغ وهو الحق الذي يثبت للصغير والصغيرة إذا بلغا وكان قد زوجهما غير الأب والجد.
ويسقط هذا الحق بالنسبة للمرأة البنت أو الرجل، بكل ما يدل على الرضا من قول أو فعل، كطلب الزفاف أو تسليم النفقة أو تسلمها أما البكر فإن كانت تعلم بالزواج وسكتت ولم تطلب الفسخ فور بلوغها كان ذلك دلالة على رضاها به وليس لها بعد ذلك حق.
أما خيار الإفاقة فهو الحق الذي يثبت للكبير المجنون أو المعتوه أو الكبيرة المجنونة أو المعتوهة إذا زال الجنون أو العته ويسقط هذا الحق بالنسبة للرجل والمرأة البنت بما يدل على الرضا قولاً أو فعلاً وبالسكوت فور الإفاقة والعلم بالزواج بالنسبة للمرأة البكر كما هو في خيار البلوغ.
الولاية في القانون:
جاء قانون الأحوال الشخصية العراقي خالياً من الإشارة إلى أحكام الولاية حيث لم يتطرق المشرع لبحثها، على الرغم من أهميته فيهما عدا ما نصت عليه المادة الثامنة من اشتراط موافقة الولي الشرعي الخاضعة لتقدير القاضي على زواج من أكمل الخامسة عشرة من العمر لذا يتم الرجوع إلى أحكام الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون التي تنص على وجوب الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية عند عدم وجود نص تشريعي يمكن تطبيقه.
المحاضرة الثامنة
الكفاءة في الزواج
هل لكل من الزوجين أن يختار شريكه الأخر دون قيد أو شرط أم أن مع الاختيار هناك قيود معينة وإطار عام يجب على كل من الرجل والمرأة مراعاته في اختياره لشريك حياته ؟
إن الشريعة وجواباً على هذا السؤال، لم تترك الزوجين ليختار كل منهما طرفه الآخر من دون الخضوع للمقاييس الإسلامية في نطاق الكفاءة لكل من الزوجين بمنظارها العام مرة وبالمنظار الخاص الذي يخص كلاً منهما مرة أخرى.
موقف الفقهاء من الكفاءة
الزواج شركة قد تدوم العمر كله والشركة تثمر ثمراتها وتحقق أهدافها وغايتها إذا كان بين أصحابها تكافئ وتوافق وانسجام فالكفاءة هل هي شرط لابد منه لصحة عقد الزواج نعني هل كفاءة الزوج لزوجته أي مساواته لها في حسبها ودينها وغير ذلك شرط لا يصح العقد بدونه ؟
ذهب فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة وفريق من الأمامية إلى أن الكفاءة شرط في الزواج.
في حين ذهب فقهاء المالكية والظاهرية وفريق آخر من الأمامية إلى أن الكفاءة ليست شرطاً في الزواج وقد استدل هؤلاء على ما ذهبوا إليه بقوله (ص) " الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ".
وقالوا أيضاً: لو كانت الكفاءة معتبرة في الزواج، لكانت معتبرة في الجنايات حيث يقتل العالم بالجاهل والشريف بالوضيع فان عدم اعتبارها في الزواج أولى.
إلا أن موقف هؤلاء ضعيف بالنظر لاستدلالهم بحيث متعلق بالمساواة بين الناس في الحقوق والالتزامات، وإن قياس الجنايات على الزواج قياس مع الفارق.
إما سند جمهور الفقهاء في اشتراط الكفاءة فهو حديث الرسول (ص) ألا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يزوجهن إلا من الأكفاء " ونجد أن الجانب المعتبر عند الأمامية هو " الإسلام " و(الإيمان ) مقياساً للكفاءة الزوجية حيث أكد على ذلك في كثير من المناسبات وأعتبر المسلم كفوا للمسلمة والمسلمة كفواً للمسلم، والمؤمن كفء المؤمنة وسندهم أيضاً أن الرسول (ص) زوج ابنة عمه الزبير أبن عبد المطلب ( ضياعة ) للمقداد بن الأسود الكندي، والفرق شاسع بين الاثنين، تاركاً ورائه عظمة قريش، وسمو البيت الهاشميين الكريم.
فيمن تعتبر الكفاءة:
تطلب الكفاءة من جانب الرجال، لا من جانب النساء، على معنى أن الرجل هو الذي يشترط فيه أن يكون كفوا للمرأة، ولا يشترط أن تكون المرأة كفئاً للرجل، لأن الزوجة وأهلها هم الذين يعيرون من زوج غير كفء، هذا هو الأصل، وهو اعتبار الكفاءة من جانب الرجل لا من جانب المرأة، ولكن قد تعتبر الكفاءة من جانب المرأة أيضاً في حالتين:
1- إذا زوج الصغير شخص غير أبيه وجده امرأة ليست كفئاً له، فأن كفاءة الزوجة هنا شرط من شروط صحة عقد الزواج.
2- إذا وكل الرجل من يزوجه توكيلاً مطلقاً فإنه يجب هنا مراعاة كفاءة الزوجة حتى يكون العقد نافذاً، إن الكفاءة شرط في الوكالة عند إطلاقها كما سيأتي.
الصفات المعتبرة في الكفاءة عند من يعتد بها:
1- النسب 2- الإسلام 3- الحرية 4- التقوى والصلاح 5- الحرفة 6- المال.
هذا عند الحنفية إما عند المالكية فيرون إن الكفاءة لا تعبتر إلا في الدين والتقوى لقوله تعالى " إن أكرمكم عند الله اتقاكم ".اما عند الامامية المسلم كفئ المسلمة والمؤمن كفئ المؤمنة.
وقت اعتبار الكفاءة:
تعتبر الكفاءة وقت انعقاد العقد فقط، ولا يعتبر زوالها بعد ذلك إذ انه ليس من الوفاء أن تترك الزوجة زوجها، إذا ما تعرضت حالة الزواج للنكبات والمصائب فأحترف المهن الحقيرة وأصابه الذل بعد أن كان عزيزاً، لذا فإنه لا خيار للمرأة ولا أوليائها في هدم الزوجية القائمة.
صاحب الحق في الكفاءة:
ليس لله حقاً في الكفاءة مطلقاً، لأن الناس عند الله سواسية كأسنان المشط، وأكرم الناس عند الله اتقاهم.وإنما الكفاءة حق للزوجة فقط وحدها عند الجعفرية وحق الزوجة وللأولياء من العصبة عند الجمهور.
الوكالة في الزواج
1- تعريفها:
التوكيل لغة: تفويض الأمر إلى الغير. إما اصطلاحاً، فهو تفويض الإنسان غيره بالتصرف في أمره وإقامته مقامه، ومن المقرر إن كل من يملك حق التصرف في شيء: فله أن يوكل غيره.
وعقد الزواج من العقود التي يملكها الحر البالغ العاقل لنفسه بالأصالة ولغيره بالوكالة، فإن كان الشخص صغيراً أو مجنوناً أو معتوها فليس له أن يوكل غيره بتزويجه، لأنه لا يملك تزويج نفسه، فكيف يملكه غيره، وفاقد الشيء لا يعطيه، فالضابط في هذا أن " كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه جاز أن يوكل به غيره ".وقد عرف القانون المدني العراقي الوكالة في م/927 من بانها عقد يقيم به الشخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم.
2- شروط الوكالة:
الشرط في الوكيل: هو البلوغ و العقل، فلا يصح أن يكون المجنون أو الصبي غير المميز وكيلاً في تصرف من التصرفات عدا فقهاء الحنفية حيث أنهم لا يشترطون في صحة الوكالة أن يكون الوكيل بالغاً حراً، وقد صح ( عندهم ) أن الرسول (ص) لما خطب أم سلمه لنفسه، وكان أولياءها غيباً، زوجها ابنها عمرو، وكان صبياً ([19]).
أما الشافعي فعنده أن الصبي لا يصح أن يكون وكيلاً ولو كان مميزاً، لأنه غير مكلف كالمجنون.
أما الشرط في الموكل: فهو أن يكون له حق إجراء ما يريد التوكيل فيه وإلا لم يصح توكيله، لأن فاقد الشيء لا يعطيه كما قلنا.
حقوق الزواج لا تلزم الوكيل:
ونجد أن حقوق الزواج لا تلزم الوكيل، فالوكيل بالزواج لا يعدو أن يكون سفيراً ومعبراً فقط فإذا أجرى العقد انتهت مهمته وليس عليهم شيء من حقوق العقد كتسليم المهر أو النفقة، فلا يطالب الوكيل بذلك، وإنما يطالب الزواج بما يرجع إليه وتطالب الزوجة بما يرجع إليها.
4- أحكام عقود الوكيل:
الوكيل مقيد في تصرفاته بما أمره به الموكل، فإن خالفه لا ينفذ تصرفه عليه، إلا إذا كان خلافه إلى خير مما أمره به لأن هذا لا يكون في الحقيقة خلافاً، وكذلك لا ينفذ على الموكل التصرف الذي يكون الوكيل متهما فيه، هذا هو الأصل الذي يحكم عقود الوكيل وتصرفاته.
وبناء على هذه القاعدة، إن الوكالة أما أن تكون مطلقة أو مقيدة، والموكل في الحالتين أما أن يكون الرجل وإما أن تكون المرأة.
فإن كان الموكل الرجل وكانت الوكالة مطلقة، دون تحديد المهر أو تعيين لأمراة بذاتها أو لصفة بعينها فزوجة المرأة بزيادة فاحشة عن مهر المثل أو زوجة أمراه بها عيب، صح الزواج ولزم الموكل عند الحنفية والأمامية، لان التوكيل مطلق ويبقى على إطلاقه، لا يخرج عنه الا ما كان خارجاً بحكم الشرع كالزاج بالمحارم أو من لا تدين بدين سماوي، أو ما كان فيه تهمة تعود على الوكيل كأن يزوجه من في ولايته أو كان الوكيل امرأة فزوجت الموكل من نفسها، وفي حالة قيام التهمة يكون الزواج موقوفاً على إجازة الموكل إن شاء أمضاه وان شاء أبطله.
غير أن أبا يوسف ومحمداً – صاحبا أبي حنيفة، قالا، لا يجوز للوكيل رغم الإطلاق أن يزوج الموكل إلا من امرأة سليمة تكافئه وبمهر المثل لان العرف يقيد.
إما إذا كانت الوكالة مقيدة بان قيدها الموكل بامرأة معينة فزوجة الوكيل بغيرها، أو بصفة بعينها، كأن قال له زوجني بكراً فزوجه ثيب، كان الزواج موقوفاً على إجازة الموكل بالاتفاق، لأنه مع المخالفة يكون فضولياً في تصرفاته.
أما إذا كان الموكل المرأة وكانت الوكالة مطلقة: فلم تعين مهراً ولا زوجاً ولا وصفاً، فزوجها رجلاً فيه عيب، أو زوجها بأقل من مهر المثل، صح الزواج وكان نافذاً عند أبي حنفية، وموقوفاً على إجازتها عند الأمامية والصاحبين( أبو يوسف ومحمد ) أصحاب أبو حنيفة.
فإن كانت الوكالة مقيدة، كأن ذكرت رجلاً بعينة، أو بصفة معينة أو مهراًَ معيناً فلا يجوز المخالفة للوكيل فان خالف كان موقوفاً على إجازتها إلا إذا كانت المخالفة فيها صالحاً للمرأة.
ويلاحظ أن هذه كله هو رأي فقهاء الأمامية والحنفية، أما جمهور الفقهاء فان المرأة لا يجوز لها أن توكل عنها وكيلاً في الزواج ، لأنها لا تملك إنشاء العقد عندهم، فلا يجوز لها أن توكل غيرها فيه وإنما الذي يوكل في ذلك هو وليها لأنه صاحب الحق في تزويجها.
موقف القانون من الوكالة في الزواج:
نجد أن نص المادة الرابعة تجيز أن يتم التوكيل في عقد الزواج بنصها " ينعقد الزواج بإيجاب – يفيده لغة أو عرفاً – من احد العاقدين وقبول من الآخر ويقوم الوكيل مقامه)، ونلاحظ أن إحكام تصرفات الوكيل والخلافات فيها يتم الرجوع فيها إلى إحكام الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص قانون الأحوال الشخصية، بموجب نص المادة الأولى ( الفقرة الثانية ) منها وحيث أن اتجاه مذهب الحنفية والأمامية هو الأقرب روحاً إلى التشريع العراقي فيتعين الرجوع إلى هذين المذهبين بالذات في هذه النقطة بالذات كون جمهور الفقهاء لا يجوزون للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها وهذا خلاف موقف القانون وفقهاء الأمامية والحنفية.
المحاضرة التاسعة:
المحرمات من النساء والزواج من الكتابيات
الأصل في الزواج أن يكون الأساس لحياة هانئة سعيدة فيها يجد كل من الزوجين من عطف صاحبه ومودته ورحمته ما ينسيه ما قد يجد من الهم والألم والمشقة ومتاعب الدنيا لكن الآمر لا يخلو من خلاف
فلو أبيح للرجل أن يقترن بألصق النساء قرابة به، لكان ذلك طريقاً إلى إيذاء القريب الذي اوجب الله الإحسان إليه وقطع للرحم التي أمر الله أن توصل ولذلك حرم الله العليم الحكيم الزواج بالأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، فهذه الفئات من النساء اقرب الناس بالإنسان وأشدهن رابطة به،
كما إن الجانب العلمي وما عرف بالتجربة والملاحظة قد وافق ما جاء به الإسلام منذ أربعة عشر قرناً من الزمان أو تزيد، من الأثر السيئ للزواج بالقريبات، وان هذا الأثر يزداد سوءاً كلما كانت درجة القرابة أدنى واقرب، وهذا الأثر يعم الجسم والعقل وسائر الصفات النفسية.
والرسول (ص) يقول اغتربوا لا تضووا " أي تزوجوا في البعاد الأنساب لا في الأقارب لئلا تضوى أولادكم، وقيل تزوجوا في الغرائب دون القرائب فان ولد الغريبة أنجب وأقوى وولد القرائب اضعف واضوى.
لكل ذلك لم يكن الاقتران بكل صورة جائزاً في الشريعة الإسلامية ([20])، وقد حددت الشريعة الإسلامية الموارد التي يجوز فيها الاتصال بينما منعت منه في موارد يتعرض لها الفقهاء وفيها يحرم الزواج بين الرجل والمرأة وقد ذكروا التحريم وقسموه إلى قسمين.
1- التحريم الدائم.
2- التحريم المؤقت.
وهذا سيكون محل دراستنا تباعاً:
أولاً: التحريم الدائم:
ويقصد به وجود المانع من الاتصال الزوجي بين الرجل والمرأة على سبيل التأبيد بحيث لا يقبل الرفع في وقت من الأوقات. على ان هذا التحريم الدائم يكون على نحوين: التحريم المتأصل المؤبد، والتحريم الطارئ المؤبد.
1- التحريم المتأصل المؤبد ( التحريم بسبب القرابة )
ويراد منه ما كان المنع فيه من الأول والأصل حيث يولد الإنسان ليولد التحريم منتشراً بينه وبين رحمة وقرابته والتي يطلق عليها ( قرابة الدم ) وهذا ما يطلق عليه " التحريم بسبب القرابة ". والقرابة هي التي يعبر عن صاحبها بذي الرحم المحرم.
وقد نصت الآية الكريمة على ذلك في قوله تعالى ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت (سورة النساء /23، ومن الآية الكريمة نستفيد أن التحريم المتأصل يكون بين الطبقات التالية:
أ- أصول الرجل من النساء: وهن الأم والجدة وان علت، حيث يصدق على الجميع اسم الأم " حرمت عليكم أمهاتكم ".
ب- فروع الرجل من النساء وهن البنت وبنت الابن و بنت البنت وان نزلت والكل بنات الرجل وان نزلوا " وبناتكم ".
ج- فروع أبوية من النساء: فتحرم أخواته ومن ينتسب إليه من بناتهن وبنات أولادهن مهما نزلوا، وكذلك من ينتسب إليه من بنات أخواته، وبنات بناتهن، وأولادهن لقوله تعالى " وأخواتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ".
د- فروع أجداده وجداته: إذا انفصلت بدرجة واحدة: وهن العمات، والخالات، كذلك عمات أصوله، وخالاتهم، إما إذا انفصلن بأكثر من درجة فليست محرمات عليه، كبنات الأعمام وبنات العمات وبنات الأخوال والخالات، والأصل التشريعي " وعماتكم وخالاتكم.. ".
ونلاحظ أن قانون الأحوال الشخصية العراقي لم يخرج عما ذهب إليه الفقهاء في هذا القسم من المحرمات، ويستفاد ذلك من خلال نص المادة الرابعة عشرة " 1- يحرم على الرجل أن يتزوج من النسب أمه وجدته وان علت وبنته وبنت ابنه وبنت بنته وان نزلت، وأخته وبنت أخيه وان نزلت، وعمته وعمة أصوله وخالته وخالة أصوله.
و- ويحرم على المرأة التزويج بنظير ذلك الرجل.
2- التحريم الطارئ المؤبد:
وخصوصية هذا النوع من التحريم فيه لم يكن منتشراً من حين الولادة وملازماًَ للولد ذاتياً بل يطرأ بواسطة عنوان جديد يكون ناشراً للحرمة المؤبدة بحيث لا يقبل بعد ورود العنوان زوال الحكم التحريمي بأي شكل من الأشكال.
والتحريم في هذا القسم يكون ضمن عناوين عديدة وهي على النحو التالي:
أ- المحرمات بسبب المصاهرة:
1- زوجة الأب والجد وان علا: دخل بها الأب او الجد، او لم يدخلا.
2- زوجة الابن وابن الابن وان نزل: دخل بها او لم يدخل.
3- أم زوجته أو جدتها وان علت: دخل بها أو لم يدخل على رأي الجمهور.
4- بنت الزوجة ( الربيبة ) وبناتها، وبنات أولادها، إذا دخل بها.
فان عقد على الأم تم فارقها قبل الدخول فليست بناتها محرمات عليه.
والأصول التشريعية في حرمة هؤلاء:
1- قوله تعالى )ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف انه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا ( سورة النساء /22.
2- قوله تعالى: ) وأمهات نسائكم وربائبكم اللآتي في حجوركم من نسائكم اللآتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم (.
أما قانون الأحوال الشخصية العراقي قضى بهذا النوع من التحريم بنص المادة الخامسة عشرة " يحرم على الرجل أن يتزوج بنت زوجته التي دخل بها وأم زوجته التي عقد عليها، وزوجة أصله وان علا وزوجه فرعه وان نزل ".
ب- المحرمات بسبب الرضاع:
جاء في القرآن الكريم فيما يتمخض بالتحريم لهذا السبب، قوله تعالى في آية سورة النساء أيضاً " وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " وكذلك وما جاء في السنة النبوية المطهرة قوله (ص) " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ". وتوصل الفقهاء بالاجتهاد والاستنباط والاستدلال الى تقرير هذا الأصل أيضا كل من تحرم بسبب المصاهرة تحرم بالرضاع " (1).
وهذا، لأنه بالرضاعة يتصل الرضيع بمن أرضعته وبزوجها الذي كان السبب في ان در اللبن في ثدييها، وبذلك يكون الزوجان بمنزلة ابوين للرضيع، اذ قد صار جزءاً من كل منهما ويكون أولاد كل من الزوجين إخوة له من الرضاعة.
ولذا تنتشر الحرمة بين الذوات الآتية:
1- الرضيع وأبواه الرضاعيان، فالأب الرضاعي هو زوج المرضعة الذي رضع الطفل من لبنه، وألام الرضاعية هي كل امرأة أرضعت الطفل او رجع نسب من أرضعت الطفل او صاحب اللبن اليه كمرضعة احد أبويه او مرضعة احد أجداده او جداته.
2- الرضيع وأصول الأبوين: ويحرم على الرضيع أصول أبويه الرضاعيين لأنهم أجداده وجداته وكما كانوا يحرمون عليه في صورة الاتصال بسبب النسب كذلك هم محرمون عليه في صورة حصول الاتصال الرضاعي.
3- الرضيع وفروع الأجداد: ويحرم هؤلاء ايضاً لان اخوات المرضعة خالات للرضيع كما وان الإخوة أخواله، وهكذا ما ينحدر من جهة الأب الرضاعي من إخوته وأخواته فإنهم أعمام، وعمات للرضيع.
4- الرضيع وفروع الأبوين: وفروع أبوي الرضيع يحرمون كونهم إخوة وأخوات للرضيع إلا إن فروع المرضعة إنما يحرم منهم النسبيون لا الرضاعيون وبنات الإخوة وبنات الأخوات وان نزلن.
5- فروع الإنسان من الرضاع: فالبنت الرضاعية محرمة على صاحب اللبن، وهي كل أنثى رضعت من لبنية او لبن من ولد من بناته وأولاده النسبيين والرضاعيين.
6- الزوجة والرضاع: ولابد من تحريم ام الزوجة الرضاعية وهكذا الحال في جدتها من الطرفين أبيها وأمها.
وقد نصت المادة السادسة عشرة من قانون الأحوال الشخصية على انه " كل من تحرم بالقرابة والمصاهرة تحرم بالرضاع الا فيما استثنى شرعاً " وفي الجملة الأخيرة من هذه المادة إشارة إلى بعض المسائل التي لم يتوفر فيها المعنى الذي من اجله كان التحريم، فبقي الجواز على أصله استثناء من عموم التحريم ومن ذلك: أم الأخ من الرضاعة، فإذا أرضعت المرأة صبياً جاز لابنها من النسب أن يتزوج أم أخيه من الرضاعة لان هذه الأم ليست اماً للابن من النسب وليست زوجة اب له، فجاز له أن يتزوجها، ومن ذلك يتضح إن أخت الابن من الرضاعة، فإذا أرضعت المرأة ولداً وكان لهذا الولد أخت لم ترضع من تلك المرأة جاز لزوج المرأة المرضعة ان يتزوج أخت ذلك الولد الذي هو ابنه من الرضاع، لان أخت الابن من الرضاعة ليست ابنته ولا بنت زوجته، لذا كانت حلالاً.
الرضاع المحرم:
الرضاع المحرّم شرعاً هو مص الطفل اللبن من ثدي امرأة في مدة معينة ويلحق بالمص عند الحنفية، إيصال اللبن إلى جوف الطفل عن طريق الفم أو الأنف بأي وسيلة كانت، أما إذا وصل اللبن إلى جوف الطفل لا عن طريق الفم والأنف، فأن حرمة لا تثبت حينئذ.
ولا يتحقق الرضاع المحرّم، عند الجعفرية، إلا إذا كان عن طريق امتصاص الطفل ثدي المرضع وعلى هذا فإن الحرمة لا تثبت من الرضاع إذا أوجر اللبن في حلقه، أو سعط به، أو حقن.
مدة الرضاع المحرم:
ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الجعفرية إلى أن مدة الرضاع المحرم للنكاح سنتان من وقت الولادة، فإذا حصل الرضاع بعد عامين من عمر الطفل فانه لا يكون ناشراً للحرمة ,والدليل على ذلك قوله تعالى "... وفصاله في عامين " وقوله " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ".قال الرسول الكريم محمد (ص) (لارضاع بعد فطام..)وقال الإمام الصادق (ع) ( لارضاع بعد فطام ) وروي عنه أيضا (الرضاع قبل الحولين قبل ان يفطم ).
ألا أبو حنيفة، يرى إن مدة الرضاعة ثلاثون شهراً، مستدلاً بقوله تعالى " الوالدات يرضعن أولادهن...، فان أراد فصالاً عن تراض ٍمنهما وتشاور فلا جناح عليهما "فان الجملة الأخيرة من هذه الآية تفيد إن للوالدين الخيار في فطام الطفل عند تمام الحولين، فان رأيا إن فطامه لاضرر ساغ لهما أن يفطماه، وإلا أخر فطامه مدة أخرى زيادة على الحولين، يتدرج الطفل منها على تحويل غذائه من اللبن إلى غيره واقل مدة تصح لذلك هي ستة أشهر.
القدر المحرم من اللبن:
ذهب الحنفية والمالكية إلى إن قليل الرضاع وكثيره محرم للنكاح فالمصة الواحة تكفي لنشر الحرمة، لإطلاق لفظ الرضاع في كل الأدلة المتيسرة وعدم تقييده بقلة أو كثرة.
أما الشافعية والحنابلة، فان القدر المحرم خمس رضعات مشبعات في خمسة أوقات متواصلة عرفاً
أما الأمامية فذهبوا إلى إن المقدار المحرم هو ما أنبت اللحم وشد العظم، أو إرضاع يوم وليلة أو خمس عشر رضعه متواليات مشبعات من امرأة واحدة ومن لبن فحل واحد. وروي عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام عندما سؤل عن مدة الرضاع المحرم قال: ( ما انبت اللحم وشد العظم ) فقال السائل فيحرم عشر رضعات ) قال (ع) ( لا لأنه لاتنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات ). وعن زياد بن سوقة قال قلت لابي جعفر (ع) هل للرضاع حد يؤخذ به ؟ فقال (ع)( لايحرم الرضاع اقل من يوم وليلة او خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها فلو ان امرأة ارضعت غلاما او جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وارضعتهما امرأة اخرى من لبن فحل اخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما )
ويشترط فقهاء الأمامية ان يكون اللبن عن نكاح صحيح فالزنا لا ينشر الحرمة، أما هذا الشرط فغير معتبر عند جهور الفقهاء فالزواج الصحيح أو الزنا موجب لنشر الحرمة.
كما يشترط فقهاء الأمامية وحدة اللبن أي أن يكون اللبن المحرم لفحل واحد لينشر الحرمة بين الأطراف
أنواع أخرى من المحرمات المؤبدة الطارئة.
1- التحريم بالملاعنة: واللعان معناه اتهام الرجل زوجته بالزنا او نفي الولد عن النسب له وأحكام اللعان:
أ- سقوط الحد عن الزوجين ب- زوال الفراش ج – نفي الولد د- التحريم المؤبد.
وهذا النوع قال به الأمامية والحنابلة والشافعية والمالكية، في حين أبو حنيفة نقل عنه ان هذه الصورة معناه طلاق بائن بينونة صغرى ".
2- الطلاق تسعاً، عند الأمامية فقط.
3- من زنا بعمته او خالته فانه يحرم عليه بناتهما مؤبداً.
5- الزنا بذات البعل، عند فقهاء الأمامية فمن زنى بذات بعل، فلا يحل له ان يتزوج بها ابداً عندهم.
5- الزواج بالمرأة المعتدة، ويقرر فقهاء الشيعة الأمامية تحريم الزواج بالمرأة المعتدة من غير فرق في العدة بين ان تكون عدة الطلاق او وفاة والطلاق للرجل سواء كان رجعياً او بائناً وحتى لو كانت عن وطء الشبهة، في كل ذلك لا يجوز للرجل ان يتزوج بتلك المرأة ما لم تنته عدتها.
وعلى هذا فلو أقدم الشخص وتزوج تلك المرأة في عدتها فقد حرمت عليه مؤبداً بشرط علمه بأنها معتدة وبان ذلك محرم عليه وبطل ذلك العقد هذا إذا كان قد دخل بها.
أما لو جهل احد هذين العدة او التحريم فيناط التحريم المؤبد بالدخول بها فان دخل حرمت أما لو لم يدخل وكان جاهلاً بذلك بطل العقد، وكان بإمكانه العقد عليها مرة أخرى.
ونجد إن فقهاء المالكية يقولون بوجوب التفريق بينهما ولا تحل له أبدا، أما أبو حنيفة والشافعي فيقولون بالتفريق بينهما وإذا انقضت العدة بينهما فلا بأس بتزويجه إياها مرة ثانية.
أما الحنابلة فقالوا فان تزوج معتدة وهما عالمان بالعدة وتحريم النكاح، ووطأها فهما زانيان عليهما حد الزنا ولا مهر لها ولا يلحقه النسب وان كانا جاهلين بالعدة والتحريم ثبت النسب وانتفى الحد.
المحاضرة العاشرة:
ثانياً: التحريم المؤقت:
هو الذي تكون فيه الحرمة طارئة ولكنها في الوقت نفسه قابله للرفع وما دام السبب موجوداً يكون التحريم ثابتاً وبعكسه لو زال السبب فان التحريم يزول ايضاً ويتحقق ذلك في موارد.
1- الجمع بين الأختين:
فلا يجوز للرجل ان يتزوج اخت زوجته ما دامت الأولى زوجة له فلو فارقها حلت له الأخت إذا انقضت عدتها لان المعتدة رجعية لا تزال زوجته والدليل على هذه الحرمة المؤقتة قوله تعالى " وان تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف " حيث كان معطوفاً في الآية الكريمة على قوله تعالى " حرمت عليكم أمهاتكم ".
2- الجمع بين المرأة وعمتها او خالتها:
وهذا يتصور على نحوين:
أ- إدخال بنت اخ الزوجة او بنت أختها عليها.
ب- إدخال الخالة او العمة على الزوجة.
وقد فرق الشيعة الأمامية بين هاتين الصورتين بالمنع في الأولى إلا برضاء الزوجة والتي هي العمة او الخالة، والجواز على كراهة في الثانية وهي إدخال العمة او الخالة على الزوجة مستندين في ذلك إلى قوله تعالى (واحل لكم ما وراء ذلكم ) وعن أبي جعفر (ع) ( لاتزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بأذنهما , وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما ) وعن أبي جعفر (ع) قال إنما نهى رسول الله (ص) عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة والخالة فإذا أذنت في ذلك فلا بأس )
في حين يذهب بقية الفقهاء بان هاتين الصورتين محرمات حرمة مؤقتة فلا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها " والأصل التشريعي في ذلك قول الرسول (ص) " لاتنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها، فإنكم ان فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ".
3- المطلقة ثالثاً:
فإذا طلق الرجل زوجته ثلاثاً فإنها تحرم عليه حرمة مؤقتة، فان تزوجت من آخر زواجاً صحيحاً، ودخل بها دخولاً حقيقياً، ثم فارقها بموت او طلاق جاز للزوج الأول ان يعقد عليها بعد انقضاء عدتها.
والأصل التشريعي لهذه الحرمة قوله تعالى " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان " إلى ان قال " فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ".
4- الزواج بذات العصمة ( المشغولة بحق الغير ).
لابد لكل إنسان أن يحترم غيره في نطاق ما تقرره الشريعة إزاء الحقوق التي يتمتع بها الفرد، فالشخص حينها يرتبط برابط الزواج مع المرأة لابد للآخرين من احترامه، لذا فان موارد التحريم المؤقت هنا:
أ- زوجة الغير: فما دامت المرأة معقودة فلا يجوز العقد عليها لان ارتباطها الزوجي يمنع من الإقدام عليها وقد أدرجت الآية الكريمة في عداد المحرمات " والمحصنات من النساء " والمحصنة هي المتزوجة.
ب- المرأة في عدتها: والمرأة مادامت في عدتها فهي لاتزال مرتبطة بزوجها القديم، فلا يجوز لها والحالة هذه من الدخول في عقد جديد مع شخص آخر، والأصل التشريعي هنا قوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " وقوله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً " وقوله تعالى " ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله " وقوله " واولات الأحمال اجلهن ان يضعن حملهن ".
5- الزواج بأكثر من أربع:
لايجيز فقهاء المسلمين للمسلم ان يتزوج خامسة اذا كان في عصمته أربع زوجات لان الاقتصار على الأربع جاء مصرحاً به في قوله تعالى " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع.. ".
6- الاختلاف في الدين:
نصت المادة السابعة عشرة على انه " يصح للمسلم ان يتزوج كتابية ولا يصح زواج المسلمة من غير المسلم ".
عليه نتكلم أولا عن زواج الكتابيات، ثم نتكلم عن زواج غير المسلمين بالمسلمة.
أ- زواج الكتابيات:
الزواج عقد ينفرد بميزات تميزه عن غيره من العقود، فهو قائم على العشرة والامتزاج الروحي، ومن هنا كانت رغبة التشريع الإسلامي في اتحاد الدين بين الزوجين، كي يتحقق الغرض من الزواج على أكمل وجه، ونلاحظ ان جمهور الفقهاء قالوا بجواز تزويج المسلم من الكتابية، والكتابية هي كل أمراه تؤمن بنبي ولها دين سماوي، كاليهودية والنصرانية، بدليل قوله تعالى " اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم اذا آتيتموهن أجورهن.. "([21]).
أما فقهاء الأمامية فذهبوا إلى انه لايجوز الزواج بالكتابية استناداً الى قوله تعالى " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه " ([22]). وقد رأوا ان هذا العموم ناسخ لآية " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب...".
ويختلف زواج المسلم من المسلمة عن زواجه من الكتابية في أمرين:
الأول: انه لايشترط ان يكون الشهود مسلمين في زواج المسلم من الكتابية بل يجوز ان يكون الشهود يهوديين او مسيحيين.
الثاني: ان التوارث ينعدم بين المسلم والكتابية، لان اختلاف الدين مانع من موانع التوارث
ومن ذهب من الأمامية الى إباحة زواج الكتابيات يقول:" ان الزوج المسلم يرث زوجته الكتابية، ولا ترث الكتابية زوجها المسلم.
[1]. وهذه الطوائف تنضر دعاواهم من قبل محكمة المواد الشخصية وفقا لنص م/ 33 من قانون المرافعات المدنية.
4- معنى تربت يداك: لصقت بالتراب وهو كناية من الفقر إن لم تؤثر ذات الدين على غيرها ممن لا دين لها وان كانت غنية جميلة وذات حسب.
14- أقسام العقد من حيث الصحة والبطلان عند المشرع العراقي في القانون المدني ينقسم إلى الصحيح وغير الصحيح، والصحيح ينقسم إلى نافذ وغير نافذ ( موقوف )، والنافذ ينقسم إلى لازم وغير لازم أما غير الصحيح فهو باطل لا غير
18- ورد هنا الاستثناء وبموجب السادس لقانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 والقانون المرقم 189 لسنة 1980 المنشور في الوقائع العراقية 2804 في 2639 بتاريخ 20/2/1978.
20- نصت المادة الثانية عشر " يشترط لصحة الزواج أن تكون المرأة غير محرمة شرعاً على من يريد التزويج بها ". كما نصت المادة الثالثة عشرة " أسباب التحريم قسمان، مؤبدة، ومؤقتة، فالمؤبدة هي القرابة والمصاهرة والرضاع، والمؤقتة الجمع بين زوجات يزدن على أربعة وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثاً وتعلق حق الغير بنكاح أو عدة وزواج احد المحرمين مع قيام الزوجية بالأخرى ".